للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المادي. . . لقد انعكس الوضع، وانقلب المنطق نتيجةً لمقدمة، فقد كانت الفلسفة في بادئ أمرها. تفتح سيرها ببحث القوة والمادة، أعني الله والطبيعة، لكي تنتهي إلى الإنسان؛ أما الآن فهي تبدأ جهادها بدراسة النفس الإنسانية ثم تنتقل منها إلى العالم الخارجي.

بذلك الشك حطمت الفلسفة الحديثة كل ما نزل عند القدماء منزلة اليقين، وعلى هذا الأساس الجديد من توحيد المادة والروح في الإنسان، واختصاصه بالبحث أولاً، ثم الانتقال منه إلى العالم الخارجي، قام البناء الجديد.

وكان أول من وطد ذلك الأساس وشيد عليه البناء فيلسوفنا رنيه ديكارت

فلسفته

١ - العقل يثبت وجود نفسه:

أن هذا الرأس الصغير الذي تحمله فوق منكبيك، ليفيض بالآراء ويزدحم بالعقائد، وتعمره شتى المعلومات، التي تقطر إلى ذهنك من هنا وهناك. فهذه الطائفة من المعارف قد رأيتها بعينيك وتلك سمعتها بأذنيك، وثالثة لم تسلك إلى ذهنك طريق الحواس، ولا أوحي إليك بها إنسان آخر، إنما نبعت من نفسك الباطنية، فأنت توقن ولا ريب أن النار محرقة لأنك لمستها بيديك، ولا يخامرك شك في أن رجلا أسمه نابليون كان يعيش في أوائل القرن التاسع عشر، لأن إجماع الرواة يؤكد ذلك، ولا تتردد في أن تحكم بأنك ما دمت موجودا في حجرتك، يستحيل أن تكون أنتفي نفس الوقت جالسا في المقهى، لأن عقلك يعلم ذلك بالضرورة. . . وهكذا تستطيع أن تستعرض معلوماتك جميعاً، فتراها قد سلكت إليك هذا الطريق أو ذاك، فهي إما نفذت إليك من الخارج بواسطة الحواس، أو لدنية نبعت من ضرورة عقلية، ومع ذلك فكثرتها الغالبة تقع عندك موقع اليقين الذي لا يحتمل الشك والجدل.

ولكن ألا يجدر بك أن تثوب إلى نفسك فتعسر معها الحساب على هذا الاطمئنان السريع والتصديق العاجل بصحة هذه الحقائق مع أنها قد تكون خطأ كلها؟ أليست هذه الحواس التي تركن إلى أمانتها، خادعة في كثير من الأحيان، فتوهمك مثلا أن القمر لا تعدو مساحته القرص الصغير، وهو ليس كذلك؟ وهذا العقل الذي تعتمد على أحكامه، ألا يقدم لك صورا وأفكارا بعضها وهم خاطئ؟ هذا صحيح لا ريب فيه. فأفرض منذ الآن أن تطمئن

<<  <  ج:
ص:  >  >>