للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دوجلاس عضو مجلس الشيوخ ومنافس لنكولن الشديد البأس. رأى أن قرار المحكمة العليا قد قضى على ما راح يدعو إليه من توطيد مبدأ سيادة الولايات في تقرير مصائرها. ذلك المبدأ البراق الذي ظل يخلب به الألباب ويلوح به لأهل الجنوب ليكونوا عدته في الوصول إلى الرياسة. ولقد بات من أمره في حيرة شديدة، فهو يخشى أن يفقد محبة أهل الجنوب إذا عارض دستور كنساس؛ بينما هو يخشى كذلك أن يفقد ثقة أهل الينواس إذا هو نسى مبدأ سيادة الولايات وسلطانها فيؤدي ذلك إلى خذلانه في الانتخاب لمجلس الشيوخ وقد أوشكت مدته فيه أن تنتهي. . .

ولكنه آثر الآن أن يحرص على ثقة أهل مسوري فأعلن عداءه لدستور كنساس، ووقف يحمل عليه في المجلس حملات شديدة بعثت في قلوب الديمقراطيين الغيظ وأثارت في عقولهم، فهذا الرجل الذي يعدونه من أقوى رجالهم لا يستحي أن يخرج عليهم على هذه الصورة ولا يتورع أن يعارضهم في غير هوادة كأنما انقلب بغتة فصار من رجال الحزب الجديد!

ولقد هلل بعض زعماء الحزب الجديد لموقف دوجلاس واستبشروا به، بل لقد أخذوا يمهدون السبيل لانضمام دوجلاس إلى حزبهم ليزدادوا به قوة ومنعة! وراح جريلي أحد رجال الصحافة من قادة هذا الحزب يدعو القراء إلى انتخاب دوجلاس وأخذ يثني على صفاته ويتوخى في مديحه الأطناب والمغالاة. وكان هذا الرجل من اشهر رجال الصحافة في الشمال وكانت له عند الناس مكانته؛ كما كان لصحيفته عدد كبير من المعجبين

ولكن ابراهام قد أنكر على نفسه أن يقبل ذلك من رجال حزبه. وهنا تعود للظهور خصلة من أبرز خصاله ألا وهي الاستقامة إذا صح أن تعبر هذه الكلمة عن المعنى الذي نريد، والذي نراه ينحصر في إطلاق النفس على سجيتها وسيرها على نهج من فطرتها في غير تناقض أو تذبذب أو اضطراب. وما كان ابراهام يتكلف شيئاً لا يتحرك به وجدانه أو تستشعره نفسه، ومن هنا كانت خطواته بطبيعتها مسدودة إلى الغاية مفضية إليها مهما كثر ما يعترضه من الصعاب. ثم من هنا كان خطره إذا تحرك. انظر إلى قوله حين سمع بتلك الدعوة الجديدة: (لقد أتى جريلي نحوي بما لا يعد عدلا. إني جمهوري من صميم الجمهوريين ولقد وقفت دائماً في طليعة الصفوف عند المعركة. والآن أراه يفاوض

<<  <  ج:
ص:  >  >>