(إن للشرق روحه الذي يستوحيه أبناؤه نزولاً على فطرتهم، وللغرب منطقه الذي يستنير به أفراده نزولاً على وحي مشاعرهم)
فمناظري إذاً يبدأ بحصر المنطق في الغرب منكراً على مصر وسائر الأقطار العربية أساس العلم، والعلم كما سبق أن أوضحت في تحديده تجاه الثقافة، إنما هو مشاع بين كل؛ الأمم وما اخترع الغرب المنطق ولا هو أوجد التفكير العلمي لنعترف له بثقافة قوامها التفكير ينفرد بها بين ما على الأرض من شعوب
ثم يجيء مناظري بعد ذلك إلى تحديد الثقافة المصرية فيقول: إن الحياة العلمية التي يحياها المصري الآن تجري على غرار ما كان يحياه أسلافه الفراعنة
وأنا لا أرى في حياة المصريين اليوم أثراً من الحضارة الفرعونية، لا في الحياة العلمية ولا في الحياة الأدبية، كما لا أرى شيئاً من حضارة الفينيقيين في حضارة أهل سوريا ولبنان، وما تبقى من هذه الحضارات المستغرقة في القدم إلا أهرام ومعابد وأعمدة وقصور وقبور
ولكنني لا أجد بداً من الاعتراف ببقاء رواسم للفطرة القديمة في سرائر أبناء هذا العصر على ضفتي البحر الأبيض يتجلى فيها كثير من الصفات النفسية والجسمية التي اتصف بها أجدادهم الأقدمون
غير أن الثقافة التي يدور البحث عليها في هذه المناظرة إنما هي العوامل التي تتوحد في أي مجتمع، وتتماثل في سريرة كل فرد من ذلك المجتمع؛ وهذه العوامل هي التي تقوم عليها الحضارات المختلفة بين الشعوب. ولا أرى داعياً للسير إلى أبعد من هذا التحديد بعد أن رأيت مناظري الكريم يأخذ بمثله ويقف في بحثه عند الثقافة الشرقية العربية دون تناول ثقافة الشرق الأقصى، فهو إنما يقصد الثقافة السامية العربية عندما يقول بوجوب تلقيح (الذهنية) المصرية بثقافة غربية تبعث فيها النشاط وتدفع بالأمة إلى الحياة
أما السبب الذي يراه المناظر موجباً لهذا الانحراف إلى ثقافة الغرب فقائم على اعتقاده بأن الثقافة العربية ذاتية تدفع بالإنسان إلى الذهاب مع الخيال، فردية تذهب بالفرد إلى الانعزال عن المجتمع، في أنه حين يرى ثقافة الغرب أو (ذهنيته) تستجلي حقائق الحياة بالتفكير الفلسفي والبحث العلمي