للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بسر على شفتي فاتن ... يباح إلى شفتي مغرم

فهل أنت مطلقها منعما ... فديتك أم لست بالمنعم؟

وما أنا بالمشتهي قبلة ... ولا بالحريص على مغنم

ولكنما أنا أبكي أسى ... لتلك الشهيدة في القمقم!

فهل فهم الرافعيون شيئاً من هذه القطعة مع وضوح كل لفظة فيها وكل عبارة؟ وكيف يستطيع فهمها من لم يدرس شيئاً عن نظرية فرويد في (العقل الباطن) ويكون مع هذا على استعداد لأن يحس، بأن النوازع والرغبات المكبوتة في النفس والأشجان والبلابل والاضطرابات التي تعتريها في إبان ضرام الحب، تظل تعتلج النفس، وتقلقها وتهزها هزاً كمواد البركان المكتوم، حتى ينفس عنها، ويتاح لها التعبير، فإذا هي سعادة وهدوء وراحة

هذا ما يقوله العقاد في ثوب من الفن، وجمال من التعبير! عواطفه الثائرة، وبلابله المضطرمة، هي نفسها سعادة حبيسة إذا أتيح لها الكشف والتعبير، وكيف يكون التعبير؟ يكون بقبلة على (شفتي فاتن) تبيح السر إلى شفتي مغرم، وعندئذ تنطلق تلك الشهيدة في القمقم التي يبكي لها أسى.

فهنا النظرية العلمية، والحقيقة المدركة، والفن العالي، والدعابة القوية، والغزل الشفاف، تلتقي كلها في قطعة قصيرة، يطلب بها قبلة!

وإليك مثالا آخر في (عابر سبيل) تحت عنوان (ابنا النور - الزهر يخاطب الجوهر)

يا جوهر الحسن لا تضعفي ... لديك بالموضع المهان

فالزهر والجوهر المصفى ... صوان في النور توأمان

أشعة النور في يدينا ... وديعة أو وديعتان

لكننا بيننا اختلفنا ... يا جوهر الحسن في الصيان

تصونها أنت من بعيد ... بالسيف والرمح والسنان

ولم تزل في يديّ كنزاً ... يصان بالعطف والحنان

ومعدن النور فيَّ حي ... وفيك معنى الحياة فان

فيا زماناً بلا حياة ... إني حياة بلا زمان

كل له من أبيه حظ ... ونحن بالحظ راضيان

<<  <  ج:
ص:  >  >>