الأردنية، وهي طريق صالحة لسير السيارات في حين الجفاف وانقطاع الأمطار الغريزة حتى قرية وادي موسى التي تبعد عن بترا مسافة كيلو مترين ونصف كيلو متر؛ وهي قرية صغيرة يعتني أهلها بتربية الدواجن ولا سيما الخيل والبغال والحمير، التي يستفيدون منها في موسم السياح، وفيها نبع ماء غزير يستقي منه أهلها ويستفيدون منه في زراعة بعض الخضر والحبوب. ويعتقد البدو الضاربون هناك أن النبي موسى قد مر بهذه القرية أبان خروجه من مصر يقود أثنى عشر سبطاً من أسباط بني إسرائيل؛ وإذ كان العطش قد اشتد بهم فقد أمر بنحر ما معهم من الإبل والنوق، وبفري اكراشها وشرب ما في داخلها من الماء، ولكن ذلك لم ينفع غلتهم، فكثر تذمرهم عليه، وعلا لغطهم، فركع وصلى لله، ثم انتصب وضرب بعصاه صخراً أصم كان إلى جانبه فتفجر منه ماء عذب زلال، ودعي ذلك المكان بعين موسى. والبدو عامة يقدسون هذه العين، ويعتقدون أن روح النبي موسى تقطن بجوارها وتحوم حولها دائماً وأبداً، ولذلك أقاموا عليها قبوا صغيراً يلجئون إليه كلما انتابتهم آفة، أو حز بهم مكروه، لاعتقادهم أن روح النبي القاطنة حوله تشفيهم من أسقامهم، وتسهل عليهم مشكلاتهم ومعضلاتهم. وكثيراً ما يحرقون داخل هذا القبو مقادير عظيمة من البخور، وعرق الند الزكي الأرج، ويضيئونه بمصابيح فخارية، وبزيت الزيتون الطيب النقي، وذلك إجلالاً لروح النبي كليم الله. وقد حدثني بعضهم أنه في كل عام ينحر في هذا المكان ذبيحة أو أكثر، ضحية عن موتاه، وتقرباً إلى النبي في يوم تقوم فيه القيامة وينتصب الميزان. وتبعد هذه العين عن القرية مسافة ميل ونصف تقريباً. وتحيط بوادي موسى الحقول النضرة، والحدائق الجميلة، من جميع جهاتها. ومما يزيد في جمالها الأخاذ انبساط أطلال بترا أمامها، تلك الأطلال الجميلة التي كأنما فرغ من زخرفتها الدهان بالأمس. وأي منظر أبدع وأجمل، واكثر رونقاً وبهاءً من أن يستقبل الإنسان منظر هذه الطلول المبثوتة المنضدة أمام وادي موسى في اتساق غريب وبديع تحار فيه العقول! هناك تقع الغزالة بأشعتها الذهبية أول ما تقع على أجمل وأبدع هيكل طبيعي، ظل قائماً ومحافظاً على استوائه طيلة هذه الأحقاب التي لم تستطيع قط أن تنال منه شيئاً. قمم مشمخرة في الفضاء تنعكس عليها أشعة الشمس صباح مساء، فترتد في شكل قوس قزح بل وأبدع منه، ومن فوقها قبة السماء الصافية الزرقة، وقد انبسطت تحتها حلة سندسية جميلة من الأعشاب