للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أولاً: إن العرب عندما رقوا العلوم ونشروها وأوجدوا أهمها، إنما عملوا بعقليتهم الشرقية العربية. وإننا لسنا بحاجة لتقليد الغربيين في أسلوب تفكيرهم لنجاريهم في مضمار العلوم.

ومن العرب اليوم في أوربا وأميركا ومصر وسائر الأقطار العربية علماء في كل فن يفتخر العالم بأسره غربه وشرقه بسعة اطلاعهم وعبقريتهم وما بلغ هؤلاء الأعلام مقامهم إلا بعقليتهم العربية

ثانياً: إن العلوم الوضعية مشاع بين البشر جميعهم فليس على الأرض سلالة خصها الله بالعلن دون سواها

ثالثاً: إن لكل شعب، فطرته وهي ميزة خاصة في الذوق واختصاص في فهم الحياة والتمتع بها، وإن كل أمة تستبدل ثقافة غريبة بثقافتها إنما تؤلم فطرتها وتميت شخصيتها

رابعاً: إن الأخذ بالعلم عن أي شعب لا يستلزم مطلقاٌ اقتباس طرق حياته في الأسرة والمجتمع وتقليد ذوقه وسكناته وحركاته فأن العرب عندما احتضنوا العلوم الاستقرائية عن اليونان لم يأخذوا الفطرة اليونانية ولا ذوقها ولا معتقداتها كما أن أوربا عندما تلقت هذه العلوم عن العرب لم تتعرب بل بقي فيها كل شعب محتفظاً بثقافته. هذا فضلاً عن أن في الغرب ثقافات قد يراها من يحدجها من بعيد على شيء من التقارب غير أن من يدرسها عن كثب ليدهشه ما بينها من فروق تتناول صميم الذوق والعقيدة والشعور، فأي هذه الثقافات يشار على الشرق بأن يتبع وهل يظن المناظر الكريم أن تجربة التقليد شيء جديد لم يتضح لنا زيغه بعد. أفلا نرى في كل بلد من هذا الشرق العربي عدداً من المتفرنسين والمتألمنين والمتأكلزين والمتروسين الخ خرجوا عن الثقافة العربية وامتنع عليهم أن يتصفوا بالثقافات التي استهوتهم فأصبحوا لا للغرب يعرفهم ولا للشرق يعترف بانتمائهم إليه.

وهنالك ظاهرة غريبة نشأت من هذا التقليد وهي النعرة التي استحكمت بين هؤلاء المقلدين وهم أبناء البلد الواحد؛ فأنك لن تجد متفرنساً يمكنه الاتفاق مع متألمن أو سواه من المستغربين

كل إنسان يجبن أمام الحوادث في حياته فيلين لها حوافزه وفطرته إنما هو شخصية تائهة فقدت ذاتها، إنما هو الشبح الباكي، والحي المستجبي؛ ولقد تلمع إحداق مثل هذا الإنسان

<<  <  ج:
ص:  >  >>