للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والناس مفتونون وإن هم لم يفطنوا على وجه التحديد إلى سر فتنتهم، فهم مأخوذون بما يسمعون عن أن يفكروا أو يحللوا؛ وإنهم لفي سكرة أشبه بما يجدون أنفسهم فيه عند إصغائهم إلى لحن من تلك الألحان التي تسحر الأنفس وتملك الألباب

تدافعت إلى ذهنه الألفاظ وتزاحمت عليه المعاني وقد أسفرت عن وجوهها ومشت إلى غايتها في غير تحرج أو التواء؛ ولقد برزت في ذلك اليوم مواهبه على أتمها فكان له ما شاء من سهولة اللفظ من بلاغته ودقة المنطق مع سلامته؛ هذا إلى يقين ينفث في قوله الحرارة؛ وتمكن يذيع فيه الروعة؛ وأمثلة يسوقها من الحياة العادية فتستقر في قلوب سامعيه ومعظمهم من عامة الناس ومن وراء ذلك العبقرية التي تستعصي على التحليل وتسمو على التأويل. . .

ونزل لنكولن وله في قلوب السامعين من أنصاره وخصومه مكانة غير ما كان له قبل من مكانته، فلقد استطاع أن يقنعهم، كما استطاع أن يشعرهم بما هو أقوى من الاقتناع وأبعد أثراً ألا وهو الإعجاب؛ وإنهم ليتهامسون بعضهم إلى بعض قائلين: ليت لسادتنا وكبرائنا قلوباً مثل قلب ذلك الرجل. . . مثل قلب أيب الأمين. . .

وتكلم دوجلاس بعد ذلك مسافة نصف ساعة أعلن بعدها أن الاجتماع الثاني سوف يكون في فريبورت

ولقد ارتكب دوجلاس من الخطأ في هذا الاجتماع الأول ما عد عليه أنه أفحش أخطائه في ذلك الجدال؛ وذلك أنه أبرز مكتوباً موقعاً عليه باسم لنكولن يفهم منه أن إبراهام من زعماء المتطرفين؛ ولكن سرعان ما أقام إبراهام في دوره الدليل على أنه زائف وأنه مما جاء فيه براء. وكانت لطمة قوية استخذى لها دوجلاس في سامي منزلته، وفقد بعدها ثقة الكثيرين. . .

وحل موعد الاجتماع الثاني فتسابق الناس إليه أفواجاً وقد اشتهر أمر ذلك الصراع إذ لم تبق صحيفة إلا وقد أسهبت في الحديث عنه؛ وفي هذا الاجتماع طعن لنكولن خصمه تلك الطعنة التي سلفت الإشارة إليها؛ فلقد أعد له سؤالا يلقيه عليه: أإذا أرادت ولاية أن تلغي نظام العبيد فيها فهل هي مستطيعة أن تفعل ذلك دون أي حرج؟ ولقد أنكر عليه أنصاره هذا السؤال إذ لم يفهموا الغرض الذي يرمي إليه منه، وهو يعلم أن دوجلاس سيجيبه: بلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>