وصقله شيخ متوقر أشمط اللحية فيمتهن جلال هذه السن أو يذكر به جده الأعلى فيغضي على استحياء
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً
حدثني أزهري عصري النزعة حلو الفكاهة حار النادرة قال: دخلت الحمام فاستدعيت الخادم (صاحب الكيس) فأقبل عليّ شيخ أشيب دالف يحبو إلى التسعين ذكرت به جدي الأعلى، فلما دنا مني ليأخذ في مهنته جعلت أقطع النظر بينه وبين صورة في نفسي لأستاذي العالم في الأزهر أستاذ البلاغة، فإن عليه مسحة منه أبْيَنُها هذه اللحية المسترخية؛ ثم تقبلت خدمته على تكرُّه ومضض، وقد رمت رأسي بالإطراف وكسر الجفون ذكرى جدي الأعلى وتشابه شيخي الأكبر. قال محدثي الرقيق: لم أكد أتعرف حاجة للحمامات بخدمة هؤلاء الشيوخ الفانين خاصة وهذه اللحى المسترسلة حتى ابتدرت نظرة إلى ساحة الحمام فإذا الصراصر تمرح فيها فقلت: لقد علمت الآن: هذه المكانس لهذه الحشرات
ولحية يحملها مائق ... مثل الشراعين إذا أشرعا
لو غاص في البحر بها غوصة ... صاد بها حيتانه أجمعا
حُبَّبَ إلى راقصة فنانة بعيدة مسرى الصيت من معبودات الجماهير كما يقولون أن تزور حمامنا هذا فكان لها ما تشهَّت من تلك الزورة، فلما قضت منه كل حاجة خرجت إلى الطريق، وكان قد تسمع إلى خبر زورتها هذه فصائل من ولدان الحارة ونشئها الصغار يحبوا أكبرهم إلى العاشرة، فلم تكد الفنانة تبدو خارجة من الحمام حتى تلقوها بالتحية فاصطفوا فريقين، قطعة هنا وقطعة هناك، وقد احتملوا بأيديهم الشموع موقدة تزهر نهاراً يحتفلون للزائرة المفداة، وأقبلت هي بسامة الثغر مزهوة تخطر كخطراتها على المسرح بين صفي نور وإجلال
ولقد تقضي زمن بعيد من لدن هذه الذكرى وما يتقضى العجب منها، أتساءل: هل استخف الصبية لتحية هذه الفنانة نباهتها، إذن فليس العجب أن تسحرهم النباهة وقد سحرت آباءهم من قبل، إن النباهة لسحَّارة، وإن كانوا إنما احتفلوا لحسن في الراقصة وفن، فما أبدع أن ترف حتى القلوب الطفلة على الحسن والفن