إبراز صورتين متقابلتين للمدرسة العقادية والمدرسة الرافعية، في فهم الأدب وفهم الحياة
ولولا أنني اعتدت أن أضع الخطة وأنفذها، دون اعتداد بما يجد في الطريق، لآثرت الوقوف عند هذا الحد، فقد فهم من لديه استعداد للفهم، وبقي ناس لا حيلة في تبديل طبائعهم وخلق نفوسهم وأذواقهم من جديد
والآن إلى تتمة الحديث:
يعني العقاد - إمام المدرسة الحديثة - بالحياة النابضة في ضمائر الأشياء قبل الحياة الظاهرة على سطوحها، ويعني بالحياتين معاً قبل العناية بأشكالها وصورها، ويلتفت للخوالج النفسية قبل أن يلتفت إلى الصور الذهبية، ويعني بهاتين قبل العناية ببهارج الأسلوب وزخارف الطلاوة
ولا يعني هذا أن الأسلوب الفخم والتعبير الجيد بعيدان عن شعر العقاد. ولهذا مبحث خاص، سأفرد له كلمة، ربما كانت الأخيرة
يؤم المسجد يوم الجمعة للصلاة حشد حاشد، كلهم مصل، وكلهم خارج من المسجد بعد الصلاة، ويمر هذا المنظر على الشعراء والأدباء في مصر وغير مصر، ويتكرر الأسبوع تلو الأسبوع. ولكن العقاد وحده هو الذي يلتفت التفات الفنان المثقف ثقافة نفسية واجتماعية، إلى ما يجول في خواطر هؤلاء المصلين، وما تهتف به نوازعهم فتكتمه عقولهم الواعية، وما يسرب في ضمائر أو يغشاها. ذلك أنه يروي فيتخيل، ويلاحظ فينفذ، ويحس فيحلل؛ ثم هو بعد هذا وذاك يمثل ويجسم خفايا النفوس الإنسانية، ويعرض نماذجها المختلفة في معرضه الفني الحافل بصورة النفوس
بعد صلاة الجمعة
على الوجوه سيمة القلوب ... فانظر إلى المسجد من قريب
وقف لديه وقفة اللبيب ... في ظهر يوم الجمعة المحبوب