ومبادئ أخرى قبلها رجال مسيحيون استحلوا بها أشنع الجرائم التي سجلها مداد واحتواها قرطاس.
فهل يتطور العلم في هذه الناحية مثل تطور الدين؟ هل يسيطر الاعتبار الخلقي على الطريقة العلمية، أم هل يتغلب صالح العلم المزعوم على هذه الاعتبارات جميعا؟ هذا هو المحور الذي يدور عليه كثير من النقاش الذي يمس التجارب العلمية الحديثة، ومنها تشريح الحيوان الحي الذي كثر اللغط فيه وتطاول الحجاج في السنوات الأخيرة. قال قوم انه عمل حلال أمَنّ عليه القانون واطمأن فيه الى أن العلماء إنما يأتونه خدمة للمعرفة، وقال آخرون انه عمل محرم، تحرمه الإنسانية لأنه يتضمن ألماً لحي، وقال غير هؤلاء: إن تحليله وتحريمه منوطان بمقدار الألم الذي يعانيه الحيوان. والحق أن المسألة لها طرفان أولهما يتعلق بالغرض الذي من أجله يجري التشريح. وثانيهما يتعلق بالحي الذي يشرَّح. أما الغرض فيجب أن يكون من الكفاية بحيث يتزن مع التضحية ويستأهل الآلام. جميل أن نصيح (أن العلم للعلم)، ولكن هل نقبل هذه الجملة على إطلاقها أم لابد من الحذر الشديد عند تطبيقها؟ أي المعارف يجب أن نقصد إليه، وهل كل معرفة جديرة بالعرفان؟ يفرّق الأستاذ (وايتهد) بين الطلب يطلبه المرء في سبيل العلم، والطلب يطلبه حلاً لقضية رخيصة أخطرها بالبال الخيال السائب اللاهي. أما فيما يتعلق بالحي الذي يشرح، بالحيوان الأعجم الذي ينطق، فأمره يتوقف على النظرة التي ينظرها به الإنسان، وهنا نجد العلم الحديث نفسه سلَّح أعداءه في هذا الصدد بسلاح قاطع ماض، فان البيلجة الدرونية أزالت الحاجز الذي وضعته الفلسفة بين الإنسان والحيوان، واعتبرت الحياة العضوية ظاهرة فردة واحدة مهما اختلفت أوضاعها وتعددت مظاهرها، وبهذا استوى الإنسان بالحيوان أو قارب، وبهذا جاز على الإنسان ما يجوز على الحيوان، والإنسان يأبى تشريح الإنسان حيا، فلا بد أن يأبى تشريح الحيوان حيا. أم هو يجيز التشريح على إطلاقه ثم يتنصل منه باعتبار ان الإنسان له (شخصية) تكسبه حقوقا لا تكون لغيره من الحيوانات لانعدام (الشخصية) فيها.
أن الغرض مهما طاب ومهما خطر لا يبرر التجربة التي تخل بمسلك الإنسان الخلقي.
حكوا فيما يحكى عن الإمبراطورفردريك الثاني انه دعا رجلين الى الغداء وأطعمهما حتى امتلأ، وبعث بأحدهما لينام، وبعث بالآخر ليصيد، وفي المساء أمر فشق بطناهما ليعلم أيهما