(٢٥٩) ثم لن أعود إلى الموضوع لأن الكلام فيه مع الأستاذ عبث. . .
تضمن جواب سيد قطب أموراً ثلاثة:
أولها: أنه جعل جهلي بحضرته (جهلاً بالأدب والأدباء في مصر)، وطمأن المصريين بأنه ليس كل شامي مثل (علي الطنطاوي) في هذا الجهل. . . ومعنى هذا أن (سيد قطب) هو (الأدب والأدباء في مصر) من عرفه فقد عرف ذلك ومن جهله فقد جهله، وهذا من الادعاء وعوج الفهم بمكان؛ وأنا بحمد الله أعرف أدباء مصر شعراءهم وكتابهم: أعرف شوقي وحافظ رحمهما الله والجارم ومحرم ورامي والهراوي، وأعرف الرافعي رحمة الله عليه والعقاد والمازني وهيكل والزيات وطه والبشري وأحمد أمين وكثيرين لأجدى من عد أسمائهم؛ وقرأت لهم (كل) ما كتبوه ولكني لم أتشرف بمعرفة سيد قطب؛ فهل يمحو جهلي به علمي بكل أولئك؟
وثانيها أنه لم يأخذ من كلامي أو لم يفهم منه إلا أني استدللت على صحة تشبيه الرافعي بأن لشوقي مثله، مع أن كلامي بين أيدي القراء، وأن الذي قلته هو أن الأستاذ سيد قطب لم يستكمل أدوات النقد، ولم يرع المعروف من قواعد البلاغة، وأنه أشتغل عنهما بما يبدأ فيه ويعيد من الدعاوى العريضة في العلم والفن والتجديد، فلماذا ترك ذلك كله من كلامي وأخذ مثالاً عارضاً جئت به، وعلماؤنا يقولون:(ليس من دأب المحصل المناقشة في المثال)
وثالثهما أن الأستاذ ينصحني بالاقتصار على التدريس وترك الأدب، ويخرجني من زمرة الأدباء، وهذا كلام لا أحب أن أجيب عليه، ولا أعود إلى البحث مع من يقوله، لأنه لا يقوله إلا جاهل بأصول النقد بعيد عن المنطق، لأن النقد لا يجيز شتم الخصم والكلام على شخصه، وإنما يدعو إلى مناقشة الرأي الذي رآه، والمنطق يقضي عليه أن ينظر في كلامي ويرد عليه أو يدع، ويذكره المنطق (لو كان من أهله) بأن إقرار التحكيم والاعتراف بكفاية القاضي وسلطانه، مقدم على إصدار الأحكام. فمنذا الذي نصب هذا المحترم قاضياً بين الأدباء وحاكماً فيهم؟
وآخر ما أقوله للأستاذ سيد قطب تحية و. . . (سلاماً)!