مذهبه في أدب (النفس) وأدب (الطبع)، وإنها لتكتشف عن أسلوب من أسلوبه. . . إن سيد قطب لم يشتم، ولم يقل شيئاً يستحق العفو أو المؤاخذة. إنه يقول فيما يرد:(. . . إنني أُكرم آدابي وآداب الناس أن أقول. . .) أتراه قال شيئاً؟ لا، إنه ليُكرم آدابه وآداب الناس أن يقول؟ فمِن التجِّني عليه أن تزعم أنه قال. . . أيعرف سيد قطب شبيهاً بهذا الأسلوب فيما يتحدث الناس؟. . . أما أنا فأعرف: أعرف (مجدّدين) غيره من الصعاليك والسوقة يهمّ أحدهم أن يشتم خصمه فيقول له ما ترجمته في مثل لغة الأستاذ قطب: (إنني أكرم آدابي أن أقول. . .) ويكون بذلك عند العصبة المتجمهرين حولهما مؤدباً كريماً عفيف اللسان لأنه لم يقل شيئاً، ويكون بذلك مجدداً في أسلوب الشتم وإن لم يعترف سيد قطب بأن مثله من المدرسة الجديدة. . .
. . . ويبقى بعد ذلك قول الله تعالى:(أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً؟) فيكون معناه على هذا القياس في مذهب الأستاذ قطب: (من منكم تهفو نفسه إلى أكلة شهية فيها مسلوق وقديد ومشويّ من لحم بني آدم؟) ويكون جواب هذا الاستفهام صوت (إنسان) يقول: (أنا. . .!) فيمسخه الله كلباً أو ذئباً أو ثعلباً أو شيئاً من ذوات الظفر والناب. . .
أليس هذا هو مدلول هذا الاستفهام عند من لا يؤمن بالكناية والاستعارة والمجاز في أساليب البيان والله أعلم بمراده. .!
أراني أطلت في شرح هذا المثال قبل أن اخلص إلى ما أريد، وما تثبت القاعدة بمثال واحد؛ فهذا مثال آخر: يقول سعيد العريان في وصف المرحوم الرافعي حين يهم أن يجمع خواطره لموضوعه قبل أن يكتبه: (. . فكان يرسل عينيه وراء كل منظر، ويمد أنه وراء كل حديث، ويرسل فكره وراء كل حادثة، ويُلقي باله إلى كل محاورة. . .)
فيقول سيد قطب:(. . . إن المرحوم الرافعي لم يكن يمد أذنه وراء كل حديث كما يعرف من يعرفه؛ ولم تكن هذه الحاسة من أدواته في التنبه والتأمل، فكان من (الصدق) ألا تذكر دون أن يضيره هذا أو يعيبه، إذ كان هذا مما لا يعاب. .)
فالأستاذ الأديب الناقد سيد قطب الأخصائي في اللغة، لا يفهم من كلمة (يمد أذنه وراء كل حديث) إلا معنى السماع بالأذن؛ وإذا كان الرافعي معطَّل الأذن لا يسمع فان هذا التعبير ليس من الصدق في الرواية. وذلك هو المذهب الجديد. . .