المجيدة والخطر المثير والشجاعة التي تقدم ولا تحجم وترجو ولا تخاف، أو إن شئت فقل: إنها هي الطبيعة التي تبث الأغراء في كل شيء حتى ليحذر الملاح لجة البحار مخافة أن تستهويه بنات الماء من وراء زرقة الأمواج فيثب إلى أحضانها وكأنما يثب إلى أحضان عروس طال بها عهد الغياب
فعلى هذا النحو تتجلى الطبيعة للعبقرية التي تحبها وتمنحها الحياة فليست هي دمية ولا حلية، وليست هي مروحة للهواء ولا مجلسا للمنادمة، ولكنها قلب نابض وحياة شاملة ونفس تخف إليها وتأنس بها، وذات تساجلها العطف وتجاذبها المودة، ثم هي عماد لا خواء فيه، وأسرة لا تبرح منها في حضرة قريب يناجيك وتناجيه، ويعاطيك الإخلاص وتعاطيه
وقد كان ابن الرومي يحب الطبيعة على هذا النحو ويستروح من محاسنها نفساً تتصبى الناظر إليها وتتبرج له (تبرج الأنثى تصدت للذكر) ويرى وراء هذه الزينة التي تبدو على وجهها عاطفة من عواطف العشق تتعلق بها العفة والشهوة تعلقها بالعاطفة الإنسانية الشاعرة)
هكذا يتحدث العقاد عن (حب الطبيعة) بالطاقة التي تحدث بها عن (حب الحياة) وبالشرح الوافي الذي تجده هناك
وليس من المصادفات أن يكون العقاد نفسه من محبي الطبيعة فهو إن لم يكن من طراز ابن الرومي، فعلى طراز يتفق وإياه في الأساس، ويختلف حين يكون حب العقاد ممزوجاً بالفلسفة، والوعي الفني لما يخالط نفسه من هذا الحب، وهو في هذا يتفق مع طبيعته، ويسير مع اتجاهه الخاص في حياته وتفكيره
ثم اسمعه يتحدث عن (التشخيص والتصوير) في ابن الرومي: (القريحة المطبوعة على إعطاء الحياة، مطبوعة كذلك على إعطاء الشخوص، أو على ملكة التشخيص
ولكننا نحب أن نستثني هنا ذلك التشخيص الذي تلجأ إليه ضرورة اللغة وتسهيل التعبير، مع المتكلم بما في كلامه من المجاز والمفارقة، فقد يتكلم الشاعر أو غير الشاعر عن الشمس بضمير المؤنث وعن القمر بضمير المذكر،، وقد يسند إليهما أفعال الأحياء العاقلة وغير العاقلة، ولكنه بعد تعبير لفظي ليس وراءه تصور، وليس وراء التصور - إن كان - اثر من الشعور، ولا سيما الشعور المتبادل بين طرفين متعاطفين