العراق، بعد أن قاتل فقتل في ميدان الجهاد كريما شريفا شهما شهيدا. ولكن حزنها لم يشفع لها لدى الدهر فما زال الدهر يلوح لها بين حين وآخر، يسلب ابنها عبد الله أعز أولادها وأطيرهم ذكرا وأكثرهم جهادا. دنا ابنها منها وسألها:
- كيف تجدينك يا أماه؟
- إني لشاكية
فقال لها وكأنه يحدث نفسه اليائسة:
- إن في الموت راحة. فأجابته:
- لعلك تمنيه لي وما احب أن أموت حتى يأتي على أحد طرفيك، إما قتلت فاحتسبك، وإما ظفرت فقرت عيني بك.
صدمه جواب أمه، وكأنما كان جواباً عما أتى يستشيرها فيه، كيف يسألها؟ ولكنها لا تعرف عما عرضوه عليه شيئا، وفي صوت متهدج قال لها:
- أماه لقد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير، ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة. والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا. . فما رأيك؟ وجاشت في صدر الأم عواطف ونوازع شتى كلها تتزاحم فلا يتاح لأحدها فرصة التغلب أو الظهور - حنان، شفقة، خوف، شجاعة، حب لولدها، حب لوطنها، حب لربها وللحق ولرسول الحق ولتعاليم الحق. ظلت كل هذه تتصارع في صدر العجوز صراعا عنيفا، وظلت الأم تعاني آلام هذا الصراع حينا وآلام الهزيمة لكل عاطفة تهزم منها، كل عاطفة جزء منها فصراعها يؤلمها وهزيمتها تكاد تقتلها.
ولكن حميتها العربية انتصرت أخيرا وتغلبت من كل هذه العواطف: العواطف الخلقية بأسماء بنت أبي بكر الصديق.
وفي صوت ملؤه اليقين قالت لولدها:
- أنت اعلم بنفسك، إن كنت تعلم انك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك ولأتمكن من رقبتك غلمان بني أمية، وان كنت إنما ردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن قتل معك. . كم خلدوك في الدنيا؟ القتل أحسن.
القتل أحسن ولكن ماذا بعد القتل؟ لن يتورع الجبار من ارتكاب شيء، لن يردعه دين ولن