ونلاحظ هنا أن فقهاء المدينة وأشياخها إنما خافوا انتقاد الموحين عليهم لما كانوا هم المباشرين لبناء المسجد وزخرفته ولم يكن ذلك من عمل المرابطين الذين قام عليهم الموحدون؛ وكذلك كان هذا المسجد منذ تأسيسه من الشعب وإليه. فمعظم هذه الزيادات - إن لم نقل كلها - كانت مما قام به أفراد من الشعب فقهاء وأئمة وغيرهم، بعد استئذان الحاكم طبعاً. ولشد ما كانوا يتحرون في المال الذي ينفق على ذلك، بل في الآجر والماء والتراب الذي كان يدخل في البناء فلا يصرفون فيه إلا ما كان من أصل طيب؛ وربما اشتبه عليهم مال أحدهم فأدى الأيمان الغليظة على أنه من الحلال الخالص الموروث عن آبائه الذين صار إليهم من عمل شريف إلى غير ذلك مما تراه مفصلاً عند ابن أبي زرع في القرطاس والجزنائي في زهرة الآس وابن القاضي في جذور الاقتباس
هنا كان قد بلغ الجامع كماله فأتى دور المصالح والمنافع والمرافق الملحقة به من فسقيات وميضآت ومستودعات وخزانات ومقاصير ومدارس وما إليها. وأهم ذلك خزانة الكتب التي أسسها به السلطان أبو عنان فارس المريني وأودعها كما يقول الجزنائي:(من الكتب المحتوية على أنواع من علوم الأبدان والأديان واللسان والأذهان وغير ذلك من العلوم على اختلافها وتنوع ضروبها وأجناسها ووقفها ابتغاء الزلفي ورجاء ثواب الله الأوفى، وعين لها قيما لضبطها ومناولة ما فيها وتوصيلها لمن له رغبة. وأجرى له على ذلك جراية مؤبدة تكرمة وعناية وذلك في جمادى الأولى سنة ٧٥٠)
وأسس أبو عنان كذلك مصاحف احتفل في بناها وتشييدها بما لم يسبق إليه، وأعد فيها جملة كثيرة من المصاحف الحسنة الخطوط وكلف بها من يتولى أمرها على أحسن الشروط. ثم لم تزل الملوك والسوقة تقف الكتب على خزانة القرويين بعد ذلك حتى اجتمع بها من المجلدات العلمية والأدبية والدينية ما لا يدخل تحت حصر ولا يستوفيه عد ولا حساب
وأما المدارس وهي بيوت الطلبة الملحقة بالقرويين، فإن من أقدم ما بني منها مدرسة الصابرين التي أسسها أمير المسلمين ابن تاشفين حوالي منتصف القرن الخامس الهجري (٤٥٠) والمرينيون هم سباق هذه الحلبة الذين خلفوا لنا أكبر عدد من المدارس المتقنة الصنع المحكمة الوضع، لا حول القرويين فقط بل في جميع أنحاء المغرب ولما كان كلامنا