هنا إنما يساق إلى القرويين فلنذكر بالخصوص مدرسة العطارين التي بناها السلطان أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق. ومدرسة أبي عنان اللتين تعدان قطعتين خالدتين من فن العمارة والنقش والتخريم والتزويق المغربي. وقد تلحق بهما مدرسة الشراطين التي بناها مولاي رشيد من ملوك دولتنا العلوية العلية. أما غير هذه المدارس فإنها وإن لم تكن مثلها في بداعة الشكل وجمال الصنعة إلا أنها لا تقل عنها فخامة بناء ورحابة فناء
هذه العناية الفائقة بالقرويين والاهتمام البالغ النهاية بأمره من الشعب ثم من الحكومة في كل عصر وفي كل دولة - تدلنا على ما كان له من مكانة سامية في النفوس منذ عهد تأسيسه وما كان يخص به من الاحتفال والاهتمام دون بقية المساجد الأخرى. وإلا فأخوه وشقيقه جامع الأندلس الذي بنته السيدة مريم أخت أم البنين وشقيقتها لم يظفر بعشر مما ظفر به هو من ذلك، بل إنه ما لبث أن غطى على جامع الأشراف الذي أسسه المولى إدريس ثاني ملوك الدولة الإدريسية ومختط فاس وبانيها سنة (١٩٢) فنقلت خطبة العدوة القروية من مسجد الأشراف المذكور إلى القرويين وأصبح هو المسجد الجامع في تلك العدوة كلها
وأبتدأ نجم القرويين يلمع في سماء العلم منذ أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع، وما كاد القرن الرابع يبلغ النصف حتى كان مثل عبد الله بن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة والنوادر والذي يعرف بمالك الصغير يشد الرحلة إلى أحد رجاله وهو دراس بن إسماعيل المتوفى سنة ٣٥٧هـ وفي هذا العهد كان أيضاً أبو جيدة ابن أحمد وهو فقيه فاس ومحررها من سطوة عامل المنصور بن أبي عامر. ولا شك انه كان أحد أساطين هذه الكلية وممن عملوا على رفعة شأنها وعلو قدرها
وتتوالى حلقات السلسلة حتى تصل إلى العصر الحاضر مؤلفة من رجال وقفوا حياتهم على خدمة التشريع الإسلامي تحت راية مالك وأصحابه فبلغوا به الغاية التي ما بعدها غاية في الكمال، وطارت لهم شهرة مطبقة في أرجاء العالمين الشرقي والغربي. فما منهم إلا إمام فتوى ومجتهد مذهب مثل الفقيه ابن عمران الفاسي المتوفى سنة ٤٣٠ والفقيه ابن محمد صالح المتوفى سنة ٦٣١ والفقيه راشد الفاسي المتوفى سنة ٦٧٥ والفقيه أبي الحسن الصغير المتوفى سنة ٧١٩ والفقيه أبي عمران العبدوسي المتوفى سنة ٧٧٦ والفقيه