للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أول ما يراه أنني لم أقرأ كتب العقاد - على مذهبي من ضرورة الثقافات المختلفة لقراءتها - ولم أقرأ كذلك كتب الرافعي كلها

فأما العقاد، فقد قلت: إنني فهمته بمقدار استعدادي واطلاعي، وإنني سأرتقي في فهمه كلما زدت ثقافة واتسعت جوانب نفسي. فكان تفسيري له في هذه الحدود الضيقة بالنسبة له، الواسعة جد اتساع، بالنسبة لمن ينصبون أنفسهم نقاداً له، فيخرجونه من عالم الشعراء، بل الأدباء، وهم جالسون في راحة غبية، و (طمطمة) بليدة!

وأما الرافعي فقد قرأت له معظم ما كتب، فلم أر في شيء منه دلائل على أن هناك استعداداً، لأن يخرج هذه الطبيعة شيئاً مما أطلبه، يحفزني لقراءة الباقي، على الأمل في وجود ذخيرة نفسية. وقد عنيت أن أقرأ له الكتب والمقالات، التي تفيض النفس الإنسانية فيها بالشعور الخاص - عادة - فإذا لم يكن في هذا المجال صاحب ذخيرة، فما هو بصاحب ذخيرة على الإطلاق

أما الأمثلة التي سقتها، فليست منتقاة على اعتبار أنها (مما يوقع فيه) ولكن لأنها أدل على تصوير طبيعة خاصة، ناضبة من الذخيرة الإنسانية، ومن دفعة الحياة والعقيدة (العقيدة في الأدب والحياة لا في القاموس!)

ولي رأي في الأمثلة لا بأس من إيراده هنا. فالأديب قد يخطئ وقد يهبط في كثير من المواضع، ولكنه يبقى بعد أديباً لا تسلبه أخطاؤه ولا يسلبه ضعفه، صفة (الإنسانية) في أدبه (لا الإنسانية التي تقابل الحيوانية في تكوينه كما فهم بعض من يفهمون!) ولا تسلبه صفة (الطبيعة الفنية) وقد يخطئ أديب آخر مرة واحدة، فتسلبه هذه المرة كل الصفات

ومرجع ذلك هو (نوع) الغلطة ومقدار دلالتها على فهم الرجل للحياة، وعلى نوع إحساسه بها. كالرجل الذي يحدثك عن زيارته لمدينة القاهرة، فيترك كثيراً مما فيها من المشاهدات ويخطئ في وصف الكثير، ولا يدل ذلك على كذبه في وقوع الزيارة؛ ولكنه لو قال مثلاً: (إنه كان من المشاهد التي رآها أسد يخترق الشوارع والطرقات) لحكمت من فورك بأنه كاذب في دعواه، وهي مع هذا غلطة واحدة لا غلطات!

فحين يقول الرافعي: إن الحبيبة لا تتعلق بقلب حبيبها بعد انتهاء الحب إلا بخيطين اثنين هما غيظها له، وغيظه لها. . . يدل على أنه لم يحس الحب يوماً ما، ولم يحسن ملاحظته

<<  <  ج:
ص:  >  >>