للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في غيره، بل لم يكن ذا طبيعة قابلة للحب، ولا مستعدة لتلقي دفعاته وانفساحه ولو كتب بعد ذلك عن الحب ألف كتاب

وحين يقول ما يفهم منه أنه يرى النهر الذي حافتاه من الذهب والفضة ومجراه من الدر واليواقيت، أجمل من النهر الذي حافتاه من العشب الأخضر، ومجراه من المدر والطين. . . يدل على أنه لم يحس الإحساس بجمال (الطبيعة)، بل على أنه لم يوهب الطبيعة التي تحس هذا الجمال

وهكذا كل مثال جئت به لمثل هذه الغاية، فهي غلطات: (الأسد الذي يخترق شوارع القاهرة) لا غلطات النسيان والضعف الطارئ، والخطأ العارض في التعبير، ولعل في هذا البيان كفاية

ولعل القسوة التي يتخيلها الأستاذ، ليست في الحكم الذي أصدرته؛ ولكنها في وضع الرافعي مقابلا للعقاد، والجمع بينهما في عنوان؛ فمن هنا بدأت مطالبة الرافعي بأدب الطبع، وأدب النفس، لأن المقابل له فياض بهذا النوع، مبرز فيه، بل هو ميزته ورمز فنه. وقد كان من جراء مطالبة الرافعي بهذا اللون الرفيع من الفن الأدبي، ظهور خوائه، وإنكار أدبه (إذ كان المطلوب نوعاً خاصاً منه يعلو على مجرد الأسلوب المتمايل، والجمل المنقوشة). فهذه هي القسوة. ومتى أعفينا الرافعي من أدب النفس والطبع، فقد نجده بعد ذلك شيئاً في التعبير، في الأخذ بطريق خاصة في هذا التعبير، ولكن ما قيمة ذلك في عالم الطبائع الفنية، وفي معرض التعبير عن النفس وتمثيل الحياة؟

ثم يسألني رأيي في أبيات اقتطعها من قصيدة للعقاد، وشعر العقاد وحدة لا بد من عرضها كاملة - ومع هذا فأي شيء؟ لعله يريد أن يقول: ها هو ذا العقاد يشبه الحسن بالجوهرة، ويذكر اللآلئ كما ذكرها الرافعي!

وهذه ملاحظة شكلية، فما قلت: إن كل من ذكر هذه الألفاظ يكون خواء من تقدير الجمال الروحي، ولكن الذي يقول كما قال الرافعي، ويبدئ ويعيد، ويراها أجمل من الطبيعة كما قال عن (النهر). . . يكون كذلك

فأما حين نقول: إن الحسن جوهرة، ثم لا يكمل البيت حتى نقول: (لها الثراء) (ثراء النفس أثمان) وحين نقول: إن هذا الحسن يناله من لا يعرف قيمته، ويحرمه الخبير بجماله

<<  <  ج:
ص:  >  >>