عصور الانحطاط، فانك لو أغضيت عن اللهجات في كيفية الإلقاء، وهذا مما يصعب توحيده في أقاليم أية أمة، فإنك لا تجد إلا كلمات معدودات يختلف النطق بها بين مصر وسوريا وبغداد مثلاً؛ غير أنها كلمات عربية شوهها الاختصار، ولكنه استبقى على أصلها. فأين (دلوقتي)(وإزيك) من لغة الفراعنة؟ وأين (شو بدَّكْ) من لغة أبناء فينيقيه؟
٣ - أراد مناظري أن يجعل العلم والثقافة شيئاً واحداً، فهو يقول بانبثاق الثقافة من العلوم الأصلية، ونحن لا نعلم ما هي العلاقة بين علم طبقات الأرض مثلاً والمبادئ الأدبية التي يقوم المجتمع عليها. وقد أوردنا في مقالنا السابق ما يغنينا عن التكرار في هذا الموضوع
يرى المناظر أن اليابان أصبحت عالة على أوربا لأنها أخذت العلم الوضعي عنها ولم تأخذ بحضاراتها في آن واحد. فحضرته يميز إذن بين العلم والحضارة. . . في حين أنه يقول بصدور الحضارة عن العلم
ثم هو يقول إن أوربا تعمل بحضارتها للتحرر من استعباد الآلة. ونحن نرى أن أوربا لن تخلص من هذا الاستعباد إذا هي لم تخرج على مبادئ حضارتها
٤ - يعود المناظر إلى التمسك بقوله إن الشرق يقيم الحياة على أساس غيبي لتنظيم الصلات بين البشر؛ ونحن لا ننكر على الشرق هذه الفضيلة، ونود لو اتخذها الغرب أساساً لحضارته؛ لأن كل تنظيم لعلاقات البشر في المجتمع لا يرسو على الإيمان باستمرار الحياة بعد الموت، لا يجد مرتكزاً له في غير مبدأ الحق للقوة سواء أكان ذلك بين الأفراد أم بين الأمم
٥ - نشكر للمناظر اعترافه بأن المنطق مشاع بين الأمم، بعد أن كان في مناظرته ينكره على الشرق. ولعله يذكر كما يذكر من حضر المناظرة إصراره على القول بأن الإقليم والبيئة في الشرق يجنحان بأهله إلى الخيال دون التفكير والاستقراء مما دعانا إلى الرد عليه بقولنا:
٦ - إذن، لماذا تدعونا إلى ما لا قبل لنا به ولا إمكان لاقتباسه ما لم نهجر أوطاننا ونذهب إلى الغرب نتوطن فيه أجيالاً نستبدل بأدمغتنا الشرقية أدمغة غربية. إذا كان لا يسعنا أن نملك المنطق إلا بهذه التضحية فعلى المنطق العفاء. . . غير أننا كنا عندما أنشأنا حضارتنا على أرض هذه الشرق وتحت سمائه أسياد المنطق في العالم