للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما وقد أعلن المناظر أخيراً اعتقاده بأن المنطق مشاع بين الأمم وأنه يضعف إذا أهمل، فقد أصبحت دعوته للشرق للأخذ بمنطق الغرب دعوة لا مبرر لها، بل قد أصبحت ولها معنى واحد وهو الاهابة بالشرق للنهوض وللعمل على استعادة مجده بالرجوع إلى تفكيره وشعوره

٧ - يقول المناظر إن الفلسفة الإسلامية روحها يونانية ومنطقها يوناني، لأن الفارابي وابن سينا وسواهما علقوا إرادة الخالق بقوانين الكون. ولا نعلم ماذا يقصد الدكتور بهذا. إن فلسفة المفكرين ليست إسلامية ولا مسيحية؛ إن هي إلا آراء في الخلق لا تمتُّ إلى الدين بسبب. إن الإيمان لا يقبل جعل الخالق أسيراً لما خلق. فإن كان الله جل جلاله قد وضع لهذا الكون نظاماً أفيعجز عن تبديله حين يشاء؟ إنها لفلسفة غريبة هذه الفلسفة التي تذهب متحرشة بإرادة المبدع قاصدة تحليلها لتعلم ما إذا كان بوسعه أن يحكِّم إرادته فيما أبدع

إننا نسلّم للدكتور بل نرجوه أن يقتنع بأن هذه الفلسفة منحدرة من ذهنية يونانية تعودت خلق سيئات الآلهة واختراع الأساطير عنهم وتحليل إرادتهم وغضبهم وغشهم وجنونهم وسكرهم

٨ - يقول المناظر في ردّه على الأستاذ توفيق الحكيم إن علينا أن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبداً، ثم يقف فلا يورد الشق الثاني من هذه الآية العربية وهو (واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) غير أنه عليّ أن ألفت مناظري إلى أن الملحد لا يمكنه دون أن ينقض مبدأه أن يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً لأنه يعلم أنه صائر إلى العدم وأن أبناءه مولودون لدود القبور فهو مطالب بالتنعم في يومه ما استطاع. إن من لا أبدية له لا غد له. . .

٩ - إن المناظر يجد قصوراً في عدم مجاراة العرب لليونان في آدابهم التي جالت على قوله في رحاب الموضوعية خارجة من رحاب الذات، ويذهب بهذا إلى القول بأن التحليل ليس من مكنة الذهنية العربية

لا يا مناظري، إن الأديب العربي قد استوعب في ذهنيته كل ما جال في خاطره وفي الآفاق حوله، فما كان عليه أن يصوّر حياة اليونان أو يتذوق أساطيرهم وخرافاتهم فيحذو حذوهم، لأن فطرته لم تكن تستنيم لثقافة غريبة عنه. وهل لنا أن نلوم الألماني مثلاً لأنه لا يأتينا بما أتى به موسيه، أو نلوم هوجو لأنه لم يكتب كنيتشه؟. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>