لهؤلاء الشبان والشابات أوسع من صدر الحليم، فلم تلبث بهذه السماحة أن صارت - كما يقول العامة - بطن حمار! وأصبحت ميداناً للغزل البريء وغير البريء، وموعداً من مواعد التلاقي والوداع
وفي صبيحة يوم، حمل البريد إلى الرفعي رسالة من سيدة كريمة، تلفته إلى محاورة داعرة تعترك فيها أقلام طائفة من الشبان في مجلة الأسبوع. وبعث الرافعي في طلب أعداد المجلة فجيء بها؛ فما قرأها حتى تناول القلم وأملى على مقالة (تربية لؤلؤية)
في هذه المقالة، خلاصة رأي الرافعي في حرية المرأة وحقها في المساواة؛ وترى لهذا الرأي بقية فيما نشر من مقالات الزواج والطائشة، والجمال البائس، وغيرها؛ وهو يزعم أنه بهذا الرأي من أنصار المرأة عند من يعرف أين يكون انتصار المرأة. وللرافعي حين يتحدث في هذا الموضوع حجة قوية وبرهان ماض، إلى روح رفافة شعر ساحر. ولست واجداً أحداً يرد عليه في ذلك على قلة من تجد من أنصاره، وقد جلست مرة إلى المربي الكبير الأستاذ محمد عبد الواحد خلاف نداول الرأي في أدب الرافعي ومذهبه الاجتماعي لمناسبةٍ ما فيما كتب الرافعي للرسالة، فقال لي (إنك لن تجد أحداً من أنصار الجديد يرضى هذا المذهب، ولكنك لن تجد أحداً - أيضاً - يستطيع أن يصاول الرافعي في هذا الميدان بمثل حجته وقوة إقناعه. . .!)
. . . وأرضى الرافعي بهذا المقال السيدةَ الكريمة التي كتبت إليه، ولكنه أغضب مئات من القارئات وعشرات من القارئين؛ فانثالت عليه الرسائل من هؤلاء وهؤلاء غاضبة مستنكرة، إلا بضع رسائل. . .
ولما كتب مقالة (تربية لؤلؤة) وأرسل بها، ركب قطار البحر إلى الإسكندرية ليستريح يوماً هناك، يتزود فيه لفنه وأدبه من عرائس الشاطئ. . . كان قد كتب مقالة السالف وأرسل به، ولكن معانيه بقيت في نفسه؛ فلما ذهب إلى الشاطئ وجد تمام موضوعه، فعاد ليملي عليّ مقالة (لحوم البحر) وهي قصيدة مترجمة عن الشيطان على نسق من النثر الشعري فاق فيه الرافعيُّ وغلَب. . .
كان للرافعي عادةٌ حين يعجبه موضوع مما كَتب أن يسأل عنه كلّ من يلقى من أصحابه. . . (هل قرأت مقالتي الأخيرة. . .؟ وما رأيك فيها. . .؟ هل يملك أحد أن يعرض لرأيٍ