تصويرهم على شاكلة الشباب، ووجدتها سالكة نهج أبويها لا من ناحية العلم فقط بل كذلك من جانب نوع الحياة الذي اختارته لنفسها حيث لم ترض زوجا لها إلا أحد الطلاب المنتسبين إلى (معهد أبيها بيير كوري)
هكذا رأيت تلك الشجرة المباركة والعائلة الجميلة، سلالة بيير كوري، ولمست بنفسي أساليبها في المحافظة على أصلها والعناية بموهبتها وعنوان فخارها، مما جعلني أتساءل عما لو كان مبدأ المحافظة على السلالة مرعيا لدى الملوك رعايته عند عائلة بيير كوري!
ثم أخذت مدام كوري تذكر لي شيئا عن ابنتها قائلة:
- إن لهما بنتا صغيرة!
وكأنها بذلك تريد أن تذكر لي أن في هذا البيت شيئاً آخر غير الراديوم، ثم قالت:
- وإنها أيضاً تشتغل جيدا، ومما يؤسف له جد الأسف أن والدها لم يكن بين الأحياء فينعم خاطره بعمل ابنته!
وبينما نحن عند السلم نريد اجتيازه إلى معمل آخر رأيتها تلقي نظرة كلها عطف وحنان على ابنتها هذه التي سلخت ثلاثين ربيعا والتي أخذت ترشدني إلى مادة لامعة في ضوء حجرتها الضئيل، ولكني بدلا من الإصغاء جعلت أتأمل بريق شعرها المجعد. وبعد هنيهة عادت مدام كوري للحديث:
- عجب كلها الحياة! معلمة بولونية فقيرة، تجذب طبيبا فرنسيا، فقيرا أيضاً، فيميل إليها قلبه ثم يفهمها وتفهمه!!!
ثم قالت بعد ذلك بصوت الفرح الظافر السعيد بحاضره:
- لم يكن لنا سوى حجرتين في سطح البيت مما يعد لسكنى الخدم!
هكذا يتحدث كل ظافر في معركة الحياة فيذكر أيام بؤسه وشقائه وقد تمكنت فكرة السعادة في نفسه فظل ينشدها حتى اقتنصها وظفر بها. وهكذا بيير كوري وزوجه، فبينما هما في العزلة بغرفتيهما المتواضعتين إذ طلع نجم سعدهما فاهتديا إلى الراديوم وعرفا خواصه الخارقة العجيبة، وسرعان ما تمت الشهرة وذاع الصيت في أنحاء المعمورة ثم نعما بالخير والسعادة، بالسرور والابتهاج، بالنصر والظفر
علمت الدولة بأمرهما فانتشلتهما من وكرهما بسطح البيت وشيدت لهما معهداً فخماً وأغدقت