وإذ قلنا (الفنان) فقد عنينا الإشراق والجمال في هذا الحب وعلمنا أنه متطلع إلى غاية من غايات الحياة الكبرى، وأمل من آمالها المذخورة لكل قلبين تلمح فيهما فسحة التطلع والرجاء
وإذا قلنا (الناضج) فقد عنينا الفهم والمعرفة في هذا الحب، وعلمنا أنه يعلم منشأه وغايته، ويعرف ما يأخذ وما يدع، ويحسن الانتفاع بكل قوة مذخورة فيه في أقصر مدى، وبأيسر المجهود
وإذا قلنا (الطبيعة الممتازة) فقد عنينا الامتياز في نوع هذا الحب، وعرفنا أنه ليس حب كل يوم وكل ساعة، ولكنه المثال الذي تبدعه الطبيعة بعد مجهود لتقيس عليه وتبرز خصائصه ويهمها من أمره ما لا يهمها من آلاف الأنواع الرخيصة المألوفة
فإذا تقابلت هذه المميزات مع امرأة (خاصة) في طبيعتها، فقد تم لهذا الحب كل عناصر الامتياز والتفرد، وكان جديراً بعرضه في سجل الحياة الممتاز، الذي لا يحوي إلا بضع صور منتقاة في عمر الحياة الطويل
وهكذا كانت (سارة) بقلم العقاد
وحين نريد أن نقوم بالشرح الفني لقصة (سارة) نحتاج إلى مؤلف في حجمها عشر مرات، كما تخفف الشراب المركز بإضافة أضعاف حجمه إليه من الماء ليصبح في متناول الجميع، شراباً تهضمه المعدات. وإذا كان هذا ليس مستطاعاً فإننا سنحاول استعراض شيء من نواحي الامتياز في القصة، بقدر المستطاع
يبدو في بطل القصة، الالتفات إلى كل ذرة في نفس حبيبته، وكل لحظة من لحظات حبه، وكل مظهر وكل لفتة وحركة في الواقع أو الخيال، ومن شأن هذا الالتفات أن يضاعف الشعور بالحب، وأن يجعل منه عالما كاملا يموج بشتى الأطياف، وشتى (الحيوات) ويخلق من هذه المرأة الواحدة، عشرات (المرآت) الخواص الممتازات. وليس الرجل الذي يحب المرأة حباً مبهماً، مندفعا في تيار الغريزة أو تيار الخيال الجامح، كالرجل يحبها وهو متيقظ لكل ما يحب فيها وكل ما يجتنب، وكل ما يرجى فيها وكل ما يخاف. وهو متنبه لخوالجها وحركاتها، متحفز لتلقي معانيها وإشاراتها، ملاحظ لأدق خصائصها، وأدق خصائص نفسه معها؛ فكل هذا معمق للحب، مضاعف لما فيه من لذة واستمتاع.