للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإنه ليبلغ في ذلك ألا تفوته منها دلالة الملابس التي ترتديها، ودلالة الزينة التي تبدو فيها، وإنه ليتعمق في دراسة طبيعة جسمها والزمن الكافي لشفاء جروحها، ويجري كل هذه الملاحظات حيث تجري في تيار حبه، ومتعته بهذا الحب، في كل لحظة وكل حالة!

والقصة مليئة بمثل هذه الالتفاتات نختار واحدة منها:

(وسارة كانت من ذوات الملامح والوجوه اللواتي لا يطالعنك بمنظر واحد في محضرين متواليين: تراها مرة فأنت مع طفلة لاهية، تفتح عينيها البريئتين في دهشة الطفولة وسذاجة الفطرة بغير كلفة ولا رياء؛ وتراها بعد حين - وقد تراها في يومها - فأنت مع عجوز ماكرة أفنت حياتها في مراس كيد النساء ودهاء الرجال. وتضحك ضحكة فتعرض لك وجها لا يصلح لغير الشهوات، وضحكة أخرى - وقد تكون على أثر الأولى - فذاك عقل يضحك ولب يسخر، كما تسخر عقول الفلاسفة وألباب الشيوخ المحنكين.

(هي تارة أم رؤوم تفيض بحنان الأمهات حتى ليوشك أن تسع به أطفال العالمين. وحسبك أن ترسمها هكذا ولا تضع في أحضانها طفلا يرضع ولا إلى جانبها طفلا يدرج، لتستحق الصورة عنوان الأمومة

(وهي تارة أخرى شريدة بوهيمية لم تستقر قط في دار ولا وطن، وما استقرت قط مع عشيق

(لها صورة إلى جانب سرير، لو نحيت عنها السرير جانباً لمثلت لك راهبة خاشعة تهم بالصلاة، أو ضحية من ضحايا الآلهة تساق إلى محراب القربان

(ولها صورة على سفح الهرم لو أخفيت منها الهرم لخلتها حورية مخمورة في أرض يونان القديمة تهم بالرقص في كروم باخوس.

(وكان همام يراقب هذه الشخوص ويتصفح هذه الوجوه وهو مغتبط تارة، ومشفق تارة أخرى) ويعزو تقلبها واطرادها إلى الفتوة الحية التي لم تحبس في محابس الأفكار والعادات والتقاليد، فهي أبداً في أيدي العواطف والنوازع، كعجينة الخلق المهيأة للصوغ والتركيب في كل ساعة)

ونقول نحن بعد قول العقاد: (وكان همام يتمتع بكل هذه الشخوص في حب واحد، كما قالت سارة له في فكاهة بارعة صادقة: احمد ربك. عندك من سارة المظلومة حريم كامل، فلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>