للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخير لغير غاية، وتهتم بها وحدها بين جميع الناس وتراها أهلاً للرضى والغضب والشكر والملام)

وأنت خليق أن تدرك أكثر مما تشير إليه هذه الرسالة متى علمت أن (سارة) أو شبيهتها في موقفها هي المعنية بهذه الأبيات:

تريدين أن أرضى بك اليوم للهوى ... وأرتاد فيك اللهو بعد التعبد

وألقاك جسماً مستباحاً وطالما ... لقيتك جم الخوف جم التردد

رويدك إني لا أراك مليئة ... بلذة جثمان ولا طبيب مشهد

جمالك سم في الضلوع وعثرة ... ترد مهاد الصفو غير ممهد

إذا لم يكن بد من الحان والطلا ... ففي غير بيت كان بالأمس مسجدي

فتدهش حين ترى المتاع الحسي بامرأة، لا يخلع عنها روعة المسجد، ولا يجعل صاحبها يرتاد فيها اللهو بين الحان والطلا، بعد التعبد والتردد

وما من شك أن هذا إحساس فريد جدير بالتسجيل والبروز لأنه من النماذج التي لا تجود بها الطبيعة إلا وهي شحيحة ضنينة، وما تختص بها إلا نفس فنان عظيم، تتطهر فيها الأرجاس وتشرق وتشع المواد المتكتلة، فإذا هي أشعة وظلال

ومن الأحاسيس الفريدة في (سارة) موقف (همام) مع حبيبته يوم جاءت تعترف له بأنها خانته فعلاً، فلم يجد في هذا الاعتراف ما يستوجب قطع صلاته بها، لأنه كان يحس أن هناك ذخيرة موفورة له في نفسها، وفيضاً غزيراً لها في نفسه. وهو يقول في هذا:

(لم يشعر ذلك اليوم وهو ينتظرها بخداع ولا استغفال ولا احتقار. ولكنه شعر بخسارة وأسف، وانتظرها كما ينتظر الطبيب مريضاً يلجأ إليه، واستقبلها عاطفاً عليها متطلعاً إلى ما وراء حديثها، مستعداً للتسامح في الإصغاء إليها)

وبينما يتلقى اعترافها هذا بالقبول، ويستأنف بعد صلاته بها، وإذا به يقاطعها بعد ذلك لمجرد الوسواس والظنون، لماذا؟ لأن الذخيرة النفسية بينهما قد نضبت، فلم يكونا في حاجة بعد ذلك إلى دليل حاسم، ولا اعتراف مكشوف

وهو يصف الفرق بين الحالتين، ذلك الوصف الفريد:

(في تلك الأيام كانت كل هنيهة لها شعورها المحبوب المتجدد البهيج. إذا انفتح الباب للقاء،

<<  <  ج:
ص:  >  >>