للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فذلك شعور القائد الذي يفتح باب حصنه، ليلتقي نجدة الأمان والاطمئنان إلى زمن طويل، وليطرد المخاوف من وراء ذلك الباب إلى مهرب سحيق؛ وإذا انفتح الباب للوداع، فذلك شعور الشارب الذي استوفى نصيبه من العقار، وبقي له نصيبه من النشوة والتذكار، ونصيبه من الشوق في الغد إلى مثل هذا اللقاء، ومثل هذا الوداع، ومثل هذا الانتظار؛ وبين لقاء كل يوم ووداعه ألف لقاء وألف انتقال من حال إلى حال، وألف سكينة وألف ابتدار

(تلك أيام!

(ثم جاءت بعدها أيام

(وشتان أيام وأيام

(نعم شتان حقيقة وتمثيل. . . وأي تمثيل؟! تمثيل اللاعب الذي يساق إلى دوره سوقاً لأنه يخشى الفشل، لا لأنه يأمل النجاح

(واستمرت المواعيد، واستمر اللقاء، واستمرت السآمة واستمر الشقاق، واستمرت مع كل ذلك محاولات عقيمة مستميتة أن يعود ما لا سبيل إلى أن يعود

(وكانت هي تقلد نفسها في أيام الصفاء، فتمد يدها إلى جيبه بعد عاصفة من اللوم الجارح، والملاحاة الموجعة، كما كانت تمد يدها إلى جيبه بعد ساعات الرضا والدلال، لتخرج منه المفكرة المعهودة، وتكتب فيها أسطراً أو كلمات تسجل بها ما كان في ذلك اليوم، فكتبت يوماً بعد مقابلة لم يسمع فيها إلا جدال ومحال، أو سكوت هو أثقل من الجدال والمحال: (نزهة رسمية في عربة، ثم مناقشة جدية، ثم مصافحة وتقبيل، ولا عجب في ذلك. . . فإن الحب يسهر!)

(نعم يسهر من الأرق لا من العناية!

(وسهر الحب إلى اليوم التالي فالتقيا وتراضيا، وتناولت هي المفكرة وكتبت فيها خمس كلمات: (سامحت من غير سبب. أحبك)

ولكنها كانت آخر ما كتبت في مفكرة ذلك العام. وفيما بعده من أعوام)

بهذا التصوير البارع يسجل الفرق بين الحالتين: فليس بدعا أن يعفو في الأولى مع الاعتراف، وأن يجفو في الثانية لمجرد الشكوك

<<  <  ج:
ص:  >  >>