تعجب من ذلك. وهو محام لعب دوراً خطيراً في السياسة اللبنانية منذ الحرب العظمى. وقد تدرج في النيابة إلى رياسة مجلس النواب، إلى عضوية مجلس الشيوخ، إلى رئاسة الوزارة حتى تبوأ أخيراً أعظم مقام رسمي في البلاد.
وكان طعام الغداء لذيذ جداً قدمه لنا خادمان يرتدي كل منهما سترة بيضاء وقفازاً أبيض من القطن. وكان الحديث مثيراً شأن كل حديثُ يتبادل أثناء تناول الطعام في صحبة أشخاص فرنسيين مثقفين، وكان كرم المائدة أعظم ما يواجه الإنسان عادة في بيت مماثل في فرنسا، ولكني مع ذلك كنت أشعر كل الوقت بأني بين جماعة من الفرنسيين حتى أن مظهر زوج الرئيس الجذابة (هي مصرية المولد) وابنته الجميلة وابنه الشاب (الذي يمتهن المحاماة وينظر إلى نفسه والحياة عامة نظرة جدية) كان فرنسياً إلى درجة شعرت معها بأني في باريس نفسها لا في وسط الأسرة الأولى في شعب يفتخر بأنه من نسل الفينيقين.
وبعد الغداء أخذني المسيو إده إلى غرفة صغيرة حيث جلسنا نتحدث، وقد سرني منه أنه كان يستمتع ببسط وجهة نظره أمامي بدرجة استمتاعي بسماعها. قال:
- (إن الفكرة القومية هي الأساس الطبيعي الذي تبنى عليه حياة بلاد فتية، ومعنى هذه القومية في نظرنا هو استقلال لبنان التام باعتبار أنه يشكل وحدة جغرافية وسياسية، وتحالفه المؤبد مع فرنسا. إن بعض المسلمين يتكلمون عن الاتحاد مع سورية إلا أن هذا الاتحاد مخالف لجميع مصالحنا. إننا كنصارى نشكل أكثرية في لبنان، فإذا اتحدنا مع سورية ابتلعنا الأكثرية الإسلامية. وهناك أسباب أخرى تجعلنا معارضين لهذا الاتحاد:
(إن شعبنا - من جهة - يختلف اختلافاً كلياً عن الشعب السوري، إذ أن تقاليدهم غير تقاليدنا وطرز معيشتهم غير طرزنا. أنظر إلى بيروت، هل هي مدينة شرقية؟ إن دمشق شرقية تماماً، ولكن مدينتنا لا تختلف عن أية مدينة في جنوبي فرنسا. أنظر إلى بيوتنا وملابسنا وسياراتنا التي تكاد تبعدنا مئات الأميال عن دمشق. تذكر ليس فقط أن أولادنا قد تعلموا في جامعات أوربية بل أيضاً أن آباءنا قد تربوا تربية غربية، وأن الكثيرين منهم قد تثقفوا في الخارج. أما السوريون فهم ليسوا سوى عرب مسلمين ليس فيهم شيء غربي البتة.
(ثم لنبحث في الناحية الاقتصادية: إن السوريين متشوقون كثيراً إلى مشاركتنا في واردات