سيوارد فلم يكن يحس منافسة ابراهام إياه؛ أما ابراهام فكان فؤاده يحدثه أن النصر له هذه المرة فهو يحس في أعماق نفسه دون أن يدري لما يحس سببا أنه عند الناس أرجح كفة من صاحبه وأن شبه لهم غير ذلك
ولكن القلق يساوره أحياناً وهو جالس في سبرنجفيلد في قاعة أحد أصدقائه من رجال الصحافة أثناء انعقاد المؤتمر فهو يقول لهذا الصديق (إني أعتقد يا صديقي أني سأعود ثانية إلى مكتب المحاماة وأعمل عملي في القانون. . .) ثم يعاوده الأمن برهة ويخالجه الشك برهة كما يحدث عادة في مثل هذه الأحوال حينما ينتظره المرء عاقبة أمر يهمه؛ وأي أمر هذا الذي كان يتوقع إبراهام عاقبته؟ إنه اليوم في مفرق الطرق من حياته، فإما إلى رسالته وإما إلى حرفته. . .
لقد طال به الانتظار حتى كاد أن يسأم، ولم يأته نبأ عن المؤتمر فلينصرف إلى القراءة حيناً، وإنه لكتاب شعر لبيرنز، هذا الذي يقلب صفحاته، ويقرأ كما يقرأ المرء في مثل تلك اللحظات بعينيه أكثر منه بعقله؛ ولكنه يدع الكتاب ليفكر وليتنازع فؤاده الشك واليقين. . .
والمؤتمر منصرف إلى عمله في شيكاغو يفتتح في رواية البلاد فصلاً جديداً سوف يترتب عليه كل ما يليه من فصول. . . والناس من حوله يموج بعضهم في بعض، وهم يتساءلون لمن يكون النصر؟ فيؤكد هذا بأن النصر لسيوارد في إشارة حازمة ولهجة جازمة، فيقبل عليه جماعة منهم فرحين؛ ويصيح ذاك: كلا بل النصر لفالق الأخشاب. فيتهافت عليه كثيرون. . .
وتعلن نتيجة الدفعة الأولى للولايات فإذا سيوارد يزيد على إبراهام بسبعين صوتاً وصوت، فيهتف أنصار سيوارد ويكتئب أصحاب ابراهام. . . وتعلن الدفعة الثانية فإذا ابراهام لم يبق بينه وبين سيوارد سوى ثلاثة أصوات. . . ويسود الصمت في جنبات المؤتمر وقد علقت الأنفاس وشخصت الأبصار وخفقت القلوب وتأهب رجال الصحافة لتلقي النبأ الأخير. وما هي إلا لحظة حتى يرتفع صوت باسم لنكولن، فهبت في المكان عاصفة هائلة من الهتاف والتصفيق تجاوبها خارجه عاصفة أشد منها قوة وأطول أمدا إذ يظل الناس يتعانقون ويتصايحون ويقذفون بقبعاتهم في الهواء ويتواثبون ويرقصون زهاء ربع الساعة كأنما مسهم طائف من الجنون. . .