وابراهام في غرفة صاحبه في سبرنجفيلد يوجس خيفة في نفسه طوراً، ويثق في النصر طوراً، وحوله جماعة من أنصاره ينتظرون كما ينتظر، وإنهم كذلك إذ يقبل شاب من مكتب البرق يحمل رسالة ويطفر بها كما يطفر العصفور من المرح ويقبل على ابراهام فيحمل إليه النبأ السار، ثم يهيب بالحاضرين أن يهتفوا ثلاث مرات لأيب الأمين رئيس الولايات المقبل. . .
ويقبل على ابراهام صحابته وفي مآقيهم دموع الفرح وعلى ألسنتهم ما لا يفي بالتعبير عما في قلوبهم من معاني الابتهاج، وهو منشرح الصدر مثلج الفؤاد ولكنه واقف بينهم معقود اللسان لا يجد من الكلام ما يفصح عما في نفسه، وبعد برهة يقول لهم: (إن امرأة صغيرة قصيرة هنالك في بيتنا يسرها أن تعلم هذا النبأ. يقول ذلك ويمضي مسرعاً إلى ماري فيفضي إليها بأجمل وأبهج ما انفرجت عنه أمامها شفتاه. . .
ويأتي بعد ذلك وفد من قبل الحزب يعلن إليه رسمياً نتيجة الانتخاب فيلقاهم ابراهام في داره، فما يبرحونها إلا وقد ارتبطت قلوبهم بقلب ذلك الرجل العظيم. . . وهكذا يظفر ابراهام لنكولن فالق الأخشاب بتأييد أكبر حزب في البلاد. . . هكذا يظفر النجار ابن النجار فيصبح رجل الساعة ومناط الرجاء في قومه
ولبث ابراهام نحو أربعة أشهر في سبرنجفيلد حتى حان موعد الانتخاب للرياسة، لبث في المدينة هذه المدة فما عهد عليه أحد من أهلها أدنى تغير عما كان عليه، فهو في الناس فرد منهم وإن كان بسبيل أن يذهب عما قريب إلى البيت الأبيض. . . وهل كان مثله يتغير حتى بالذهاب إلى هذا البيت العتيد؟ وهل كانت عظمته إلا منبعثة من نفسه حتى يتكبر أو يظغي؟ إنما هو من الناس وللناس ولسوف يظل أول خادم لهم حتى تزهق روحه في سبيل مبدئه. . .
وظلت سبرنجفيلد أياما في ابتهاج ومرح وابراهام يلقى الوفود في داره خافضا لهم جناحه باذلاً لهم من وده وحبه أكثر مما يبذلون وهم معجبون برجلهم الذي استحق محبتهم وظفر بتأييد كبارهم وتعظيم صغارهم. . . يعجبون منه بكل شيء وخاصة ذلك التواضع الذي يبدو رائع الجلال باهر الجمال. . . لقد أحاطوا بداره ليلة مجيء الوفد وطلبوا إليه أن يخطبهم فأطل عليهم قائلاً (أي مواطني! توجد لحظات في حياة كل سياسي حينما يكون