خير ما يفعل أن يحتفظ بشفتيه مضمومتين؛ وإني أحسب أن مثل تلك اللحظات قد حانت الآن بالنسبة إلي)
ولما ضاقت بالوفود داره جعل لقاء الناس في قاعة من مقر الحكم للمدينة، ولا يرد عن مجلسه أحداً، ولا يأخذ الحيطة من أحد، فإذا سأله شخص عن أمر في السياسة ناقشه في هدوء أو أعطاه نسخة من مجموعة خطبه؛ وهو يذهب بنفسه إلى مكتب البريد فيحضر رسائله المتعددة التي تأتيه من كل فج فيفضها ويقرؤها ويرد على ما يتطلب الرد منها إما بيده أو بيد كاتب قد اتخذه له منذ قريب. . .
ولقد سخط الناس في الجنوب على اختيار رجال حزبه له؛ وأصابهم من ذلك كرب شديد وضيق، وراحت صحفهم تناله بفاحش الهجاء، فهو تارة الجمهوري الأسود، وآونة فالق الأخشاب الجاهل، وأحياناً الرجل الذي لا يحسن إلا النكات الخشنة المسفة، وطوراً الشبيه بالغوريلا؛ وهو يقابل ذلك كله بالصبر الجميل مترفعا ترفع الكرام عن جهل اللئام. . . ولم يحدث منذ تألف الاتحاد أن قامت العداوة والبغضاء بين أهل الجنوب وأهل الشمال مثلما قامت بينهم عقب اختيار الجمهوريين لنكولن
أما أنصاره فما فتئوا يثنون عليه في صحفهم وأحاديثهم ويدفعون عنه مكر أعدائه ويدحضون أباطيلهم؛ وضرب سيوارد للناس مثلا طيبا فكتب في إحدى صحف نيويورك يثني على ابراهام ويهنئ البلاد باختياره هذا ويتمنى له الفوز في المعركة الأخيرة. . .
وظل هو في سبرنجفيلد لا يتكلم عن نفسه ولا يأبه لما يتقول عليه أعداؤه؛ أما عن أنصاره فكان يرتاح إلى دفاعهم وإن كان ليتبرم بينه وبين نفسه بما يزجونه إليه من عبارات المديح والإطراء. وما فتئت الكتب تلقى إليه من أنحاء البلاد وهو يجيب عنها غير متخلف ولا مبطئ؛ ومن أجمل تلك الكتب وأغربها كتاب جاءه من بنت صغيره تستفهمه فيه عن أسرته وتطلب إليه أن يطلق لحيته. ولقد رد عليها بهذا الكتاب قال: (أي فتاتي الصغيرة العزيزة: تلقيت كتابك الجدير جداً بالقبول، المؤرخ في ١٥ من أكتوبر عام ١٨٦٠، وإني آسف أن أراني مضطراً إلى إخبارك أنه ليس لي ابنة. . . إن لي ثلاثة بنين عمر الأول سبعة عشر عاما والثاني تسعة والثالث سبعة، ومن هؤلاء، وأمهم معهم تتألف أسرتي كلها. . . أما عن إطلاق لحيتي، أفلا ترين، ولم تكن لي من قبل لحية، أني إذا أطلقتها الآن إنما آتي بذلك ما