فقد (هام بها) أولاً: لأنها تعمقت في حياته، وتعمق في حياتها رويداً رويداً، وكانت الطبيعة من ورائهما تدفعهما إلى هذا التعمق، وتوغل بهما في دروبها ومنحنياتها، وهما يلتذان هذا الإيغال، لأن الالتذاذ به وديعة مذخورة في نفسيهما من ودائع الطبيعة الأريبة
(وهام بها) ثانياً: كما يقول لأنه وجد (لذة الاستكشاف الدائم المصحوب بالتجديد والتنويع، فإن الرجل ليسره أن يستكشف المرأة، ويسره إلا يزال واجداً فيها كل حين ميداناً جديداً للاستكشاف، ويسره أن يراقب المرأة وهى تستكشفه وتتخذ لها منسرباً إلى عواطفه، وترفع من دخائله حجاباً وراء حجاب، ويسره أن يستكشفا الدنيا معاً، والناس معاً والطبيعة معاً، بروح مركبة من روحين وجسد مؤلف من جسدين، وضياء كله شفوف وتجديد، وآفاق تنساح إلى آفاق
(فإن وقف الاستكشاف ولم يتجدد من جانب الرجل ومن جانب المرأة فقد يكون سبباً للسآمة والعزوف لا سبباً للشغف والهيام
(إن المرأة في استكشافها الرجل لكمن يجوس خلال الغابة المرهوبة ليهتدي أولاً وآخراً إلى موطن الرهبة منها ووسيلة الطمأنينة إلى تلك الرهبة؛ ثم يرتع في صيدها وثمرها ويشبع من مظاهر العظمة والفخامة فيها
وإن الرجل في استكشافه المرأة لكمن يجوس خلال الروضة الأريضة ليهتدي إلى مجتمع الظل والراحة والمتعة والحلاوة بين ألفافها وثناياها. فهو يستكشفها ليعرف أحلى ما فيها، وهي تستكشفه لتعرف أرهب ما فيه، ثم تصبح الروضة روضة وغابة، وتصبح الغابة غابة وروضة، ويقوم حواليهما سور واحد يشعران به إذا خرجا إلى الدنيا، ولا يشعران به وهما بنجوة منها
(وكان همام وسارة يتكاشفان كل يوم ولا يخفيان أنهما يتكاشفان، بل يتحدثان بما يعن لهما من شأنها وشأنه، كأنهما رحالتان في نزهة طويلة، يشتركان في مراجعة عمل النهار كلما سكنا إلى ظلال الخيمة في المساء
(كان يراقبها في نفسها ويراقبها في نفسه؛ كان يرى المرأة المرحة الطروب وهى تلهو وتعبث، ويرى المرأة الكسيرة المطواع وهى تلتمس الأمان والعزاء، ويرى الإنسانة الفطرية وهى تطيع الغريزة وتلبس (دورها) على مسرح الطبيعة بين نباتها وحيوانها