الباعة على الطعام الشهي اللذّ، والطعام كله على تلك الحالة لذ شهي، بل هو أهنأ الطعام وأمرؤه، وإن فيمن يضمه نادينا الحفيل رجالاً لهم شارة تشهد بغضارة ونعمة. ذلك السيد السري المتصدر واحد منهم، لا تبرح تحت طاعته سيارة وسائق فاره، وهو إذا عاد إلى مثواه عائد لا محالة إلى قصر مشيد وخدم، وبَدِيه إن له طاهياً محسناً لا يصنع طعامه المعجب فحسب، بل يصنع معه الشهية لآكله. وها هو بحيث أراه مكب على قطعتي جبن وخبز ينحى عليهما بأنيابه إنحاء الجائع المقرور!
لقد سوت المسغبة ونزوح ساعة عن المدينة بين السيد الشريف والبائس الذي يتبلغ بالخبز القفار. وتلك حسنة للخلوات تقرّب بين الطبقات بالتسوية فتتركهم سواسية كما هم في رأي الفطرة، سيان الشريف والدون. معدلة من الطبيعة ونصفة؛ على حين تقضي سنة المجتمع ونظمه بتفرقة جارمة
مخلسنا في النادي تحت كرمة عنب فينانة تظل ناحية منه، وتتدلى علينا بأوعية المدام أو العناقيد كأنها ثريات النور
أذكرتني الكرمة بالراح، وإن كنت لا أشربها والحمد لله الذي يحمد على المحبوب والمكروه، كما تذكر النتيجة بالمقدمات، فذكرت كذلك أن النادي معطش منها، تعطل فيه الأكواب، وأن صاحبه الخبيث يتحرق لهفة لأنه استجدى الأذن ممن يملكه بأن يديرها فيه فلم ينعم له بحمد الله. وخيل إلي أنني تعرفت من وقوع الطير على العناقيد ونقره حبات العنب، لأية علة كانت عربدة العصافير والتغريد. ولو أتيح للخمار الداهية أن تحتث عنده كؤوس الشراب لروعنا بعربدة العيون الساحرة النشوى، فصرنا إلى ناد طروب تعربد سماؤه وأرضه وتُغرد طيوره وغيده!
لا تسقنيه فأني أيها الساقي ... أخاف يوم التفاف الساق بالساق
إن الشراب تهيج الشر نشوتُه ... فميز الشر منه واسقني الباقي
فضيت من الرياضة كل حاجة، وتزودت لرئتيَّ من النسيم العليل، فتشهيت العودة وأخذت سمتي إلى بيتنا الصغير، فإني لجالس فيه صبيحة تلك الليلة جلسة المتعب المكدود أتمثل ما مر بي بالأمس، إذ دخل علينا آنستان فاتنتان كأنهما صورة الحسن، فلما سمعتهما تسألان