مدار الاستشهاد في تلك المقدمة ليس هو إباء الرافعي أن يشتري كتاب العقاد - فما نحسب العقاد ولا قطباً يشتريان شيئاً من كتب الرافعي - ولكن موضع الاستشهاد هو إباء الرافعي شراء الكتاب (مع حاجته لنقده). فبعبارة (مع حاجته لنقده) هي مدار الاستشهاد في الواقع. وعمدة قطب في إثبات هذه الحاجة عند الرافعي هو سعيد العريان
لكن سعيد العريان لم يقل شيئاً من هذا بل أخبر بعكس هذا، أخبر في مقاله الخامس والعشرين (رسالة ٢٤٠) أنه هو حرض الرافعي على نقده (وحي الأربعين) انتصافاً لمخازن ولدار العلوم، وأن الرافعي أبى أولاً ثم أجاب على شرط أن لا يكون هو مشتري الكتاب (لأن عليه قسما من قبل ألا يدفع قرشاً من جيبه في كتاب من كتب العقاد. . .!)
ولسنا ندري متى أقسم الرافعي ذلك القسم، وليس هذا بمهم الآن، إنما المهم أولاً أن الرافعي لم ير حتى في رغبته في إرضاء صديق ما يبرر نكثه بذلك القسم، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الرافعي أقسم حين أقسم عن عقيدة، واستمسك بذلك القسم حين استمسك عن عقيدة، وهذا ضد ما ذهب إليه قطب في أن الرافعي كان يصدر في أدبه عن غير عقيدة. ثم المهم ثانياً أن الحاجة إلى نقد (وحي الأربعين) لم تكن بالرافعي، ولكن بسعيد العريان. العريان حرض الرافعي على النقد كما ذكرنا ولرغبته في رؤية الأديبين الكبيرين يتصاولان. لكن المسألة على هذا الوضع المتفق مع ما أخبر به صديق الرافعي، ليس فيها شيء يشهد لقطب في شيء مما يريد. فماذا يفعل سيد قطب وهو يريد أن يستشهد لنفسه بصديق الرافعي على الرافعي؟ ينقل حاجة العريان إلى نقد (وحي الأربعين) فينسبها إلى الرافعي، ويترك الخبر بعد تحريفه منسوباً إلى العريان كما كان، فيكون العريان بذلك هو الذي شهد على الرافعي، ويتم لقطب ما يريد من الاستشهاد ولا بأس في ذلك على ما يظهر عند المدرسة الجديدة التي يمثلها سيد قطب، والتي يميزها عن المدرسة القديمة مذهب (الصدق الجميل)
أما الموضع الثاني الذي تزيد فيه قطب ليستشهد بالعريان على الرافعي فقوله من نفس المقال:
(وفي البواعث التي تدعوه لنقد) وحي الأربعين (كما صورها صديقه ما يصور نظرة الرجل إلى النقد والأدب والغاية منهما ومدى نظرته العامة للحياة واتساع مداها في نفسه،