للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعض الشيء.

ولو تبين الهرم حقيقة أمر هذا الزائر وما امتلأ به قلبه من غرور؛ لأشاح عنه بوجه، وأعرض عنه كل الإعراض. ولعمركم ولعمري! متى جاء من الغرب شيء يسر القلب؟

سعى هذا الناطح إلى الهرم سعيا حثيثا. فلم يزل يسبح فوق البحار، ويجتاز القفار حتى أسْلمه طول المسير إلى رحاب الهرم الكبير. وربما سألوني لماذا جشم الناطح نفسه كل هذا العناء، وسط هذه الصحاري المحرقة المُنْصبة. وهو ربيب النعمة، حليف النعومة، ولقد تحسبون أنه ما جاء إلا ليلتمس الحكمة من منبع الحكمة، أو يطلب النور من حيث يطلع النور. أو يبغي إيقاظ الهرم الراقد، إذ عز عليه أن يطول رقاده. . ولكن الحق انه ما جاء لشيء من هذا كله. بل ساقه إلى الهرم الأكبر ذلك الفضول، ذلك الشغف بالاطلاع والاستطلاع، والذي هو من غرائز العجماوات. . ثم لكي يستطيع ان يقول للنواطح الأخر إنه طاف بالهرم الأكبر وحظي بالمثول بين يديه، بل قد يزعم أنه غالبه فغلبه، وسابقه فسبقه

لم يكد يستقر المقام بناطح السحاب حتى انفتح منه الطابق الأعلى، وأخذ يخاطب الهرم وفي صوته تلك الغنةَّ التي امتاز بها أهل امريكا، كأنما يسدون أنوفهم إذ يتكلمون. . وقال له: عم صباحا يا عزيزي أبا الأهرام. إن الهواء ها هنا جاف حار، وقد طال سيرى في البيد، وبلغ مني الظمأ، ولا أجد في هوائكم سحابا يجلل هامتي، ويبرد أو أمي

قال الهرم: عم صباحا ناطح السحُب! هل لك في الجلوس لتستريح قليلا من قطعك البحار في القفار؟

قال: هيهات لمثلي الجلوس! أني لا أقضي حياتي جاثما فوق أديم الثرى، بل ناهضا قائما، أحمل هذه الطباق السبعين بين جدراني.

قال الهرم: أجل وفي طيها هذه الكائنات الغربية من كل ما هب ودب!

قال: إن في باطني، وبين جوانحي إحياء ملؤها الحركة والنشاط، أما أنت فلم تشتمل إلا على أجساد هامدة.

قال الهرم: تأدب يا ناطح! إن جسد خوفو الذي أضم بين جوانحي لأعز على الدهر من كل هذه الأحياء التي انطوت عليها طباقك السبعون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>