صحيحاً؟ بل الوضوح في المعاني العلمية أحق بالتقدير في الأدب من الغموض
إن السبيل في مثل هذا أن ينظر إلى دقة المعنى العلمي ودقة التطابق في الاستعارة بين الحقيقة وبين المجاز. وليس أصدق في التعبير عما يعتري المحب من هزة ورجفة إذا اقترب منه حبيبه من تشبيه ذلك بالهزة التي تعتري من يسري فيه سيال كهربائي. ولا يقدح في التعبير وحسنه ولا في البيت وصدقه أن المعنى العلمي المستعار معروف مألوف، فذلك مما يزيده حسناً عند من يريدون بالكلام الإفهام لا الإبهام. أما البيت الثاني فهو من باب الاستعارة التمثيلية النادرة. وهو بيت بقصيدة وحده. ثم معناه ليس بالشائع المبتذل، والقانون العلمي المشار إليه فيه أعم وأهم من نظرية دروين. فذلك البيت الفريد ليس فيه عيب ولكن السبب في ناقده الذي يكيل بمكيالين ويفكر بمنطقين
ومثل هذا البيت الثاني قول الرافعي لحبيبه الناسي له:
يا من على البعد ينسانا ونذكره ... لسوف تذكرنا يوماً وننساكا
إن الظلام الذي يجلوك يا قمر ... له صباح متى تدركه أخفاكا
وهذا البيت الثاني هو أيضاً من الاستعارة التمثيلية النادرة والمعنى المستعار ظاهرة طبيعية معروفة مألوفة، لكن المطابقة بين حال الرافعي في شقائه بحبه المنسي ورجائه الفرج بالنسيان، وبين ظلام الليل يجلو القمر فإذا جاء الصباح أخفاه - هذه المطابقة في الاستعارة مطابقة نادرة لا يكاد الإنسان يقضي حقها وحق أمثالها عجباً. لكن صاحبنا الذي يرمي الرافعي ومن معه بأنهم شكليون يخطئ جوهر الموضوع مرة أخرى فلا ترى من البيت إلا تمثيل الحب بالظلام، والحب عنده لا يكون ظلاماً أبداً فالرافعي لا يمكن أن يكون ذاق الحب أبداً، وليس يشفع للرافعي أن الحب الذي شبهه بالظلام هو حب شقي به لنسيان حبيبه إياه، فلا يصح في إنصاف ولا في أدب أن يقاس على حب آخر يسعد به صاحبه لاستجابة حبيبه له فيه. لا! الحب أياً كان لا يمكن أن يكون ظلاماً عند سيد قطب؛ فمن رآه ظلاماً فقد زل زلة بألف، ودل دلالة قاطعة على أنه شكلي لم يذق الحب قط! ليت شعر النقد - إن صح هذا - ماذا يكون الحكم فيمن شبه الحب بالجحيم وظلمتها؟ ومن هو؟ سيد قطب! هو سيد قطب في شعره الذي نشره بالرسالة (عدد ٢٢٠) بعنوان (ريحانتي الأولى أو الحرمان)