للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المغرب ولا الشام ولا العراق، فما انقرضت اللغة البربرية في المغرب، ولا اللغة السريانية في الشام، ولا اللغة العبرانية في فلسطين، ولا اللغة الكلدانية في العراق.

وإنا لنرجو أن تكون لمصر يد بيضاء في رجوع اللغة العربية إلى بلاد فارس بفضل المودة الجديدة التي أنشأتها المصاهرة الملكية بين مصر وإيران. فمن المؤكد أن قادة الرأي في تلك البلاد سيراعون عواطفنا مشكورين فلا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، كما فعل إخواننا الأتراك سامحهم الله حين استبدلوا الحروف اللاتينية بالحروف العربية.

وقد وقع بيني وبين سفير إيران في العراق عتاب حين رأيته أول مرة في بغداد، ولم أكن أعرف أن الله سيخلق بيننا وبينهم صلات جديدة تجعل من الحق علينا أن نذكرهم بماضيهم الجميل في خدمة لغة القرآن يوم كان منهم كبار النحويين وكبار اللغويين.

إن فرنسا لها مدرسة في طهران لنشر اللغة الفرنسية بين أهل إيران، فمتى يجيء اليوم الذي تقوم فيه مدرسة عربية في وطن الجرجاني والتوحيدي وابن العميد؟

لقد ألفت كتابي النثر الفني أول مرة باللغة الفرنسية وأنا في باريس، وكان قلبي يفيض بالحزن الدامي كلما تذكرت أن أكثر من تحدثت عنهم في كتابي كانوا رجالاً نشأوا في بلاد فارس، وأن لغة العرب في تلك البلاد صارت غريبة الوجه واليد واللسان.

وكذلك كان حالي حين ألفت كتاب التصوف الإسلامي فقد رأيت أن أرواح التصوف هبت علينا من الأقطار الفارسية.

فيا أصدقائي الأعزاء في إيران تذكروا ثم تذكروا وأنتم مسلمون أبرار أن اللغة العربية هي لغة القرآن ولغة الرسول، وتذكروا أن الأمم العربية لها في العالم السياسي والأدبي والاقتصادي موازين، وأنها خليقة بأن تزيدكم قوة إلى قوة حين تراكم ترحبون باللغة العربية التي كان لها في بلادكم أبناء وأحفاد وأسباط. . .

تلكم مكانة مصر بين الأمم العربية والإسلامية، وذلكم حظها بين الممالك والشعوب، وهذا التجاوب الأدبي بيننا وبين من نعرف ومن لا نعرف لم يقع من باب المصادفات، وإنما هو علامة حب صادق يضمره لمصر من عرف فضلها من الرجال.

وأخشى، والحزن يفعم قلبي، أن يكون ما ضفرنا به من المجد الأدبي ميراثاً تلقيناه عن أجدادنا النبلاء الذين ملأوا الدنيا بالتأليف والتصنيف وجعلوا مصر تاجاً تزدان به هامة

<<  <  ج:
ص:  >  >>