جاءه البريد يوماً بكتاب من رفائيللو يقول له فيه: إنه أرسل إليه لوحة (للقديسة سيشيليا) أعدها لكنيسة (سان جوفاني) بمدينة بولونيا نفسها، وأنه يرسل هذه اللوحة إلى صديقه (فرانشيسكو) أولاً راجياً منه التكرم بمراقبة وضعها بالمكان الذي أعدت له. وقد يكون السفر الطويل قد أضر بها، أو ربما يرى فيها بعض هفوات فنية، فهو (أي رفائيللو) يرجو منه إصلاح ما فسد وتصحيح ما أخطأ فيه. على أن لغة التواضع التي اتبعها رفائيللو في كتابه إلى صديقه فرانشيسكو وأذن له بأن يعمل ريشته في اللوحة التي سيرسلها إليه ليتحقق من سلامتها وصحتها؛ كل هذا أثار في نفسه ثورة متضاربة شديدة من الأخيلة المضطربة، ولم تسعفه مخيلته في تصور ما سوف يري، أو في تقدير ما سيشاهد من المقدرة الفنية والبراعة التصويرية
وفي عصر يوم من الأيام التي مرت على وصول رسالة رفائيللو إليه رأى تلاميذه يوفضون إليه فرحين مستبشرين يزفون إلى أستاذهم خبر البشرى بقدوم اللوحة المنتظرة، وكانوا قد أعدوا لها مكاناً حسناً في المعمل على ضوء كامل
ها هي الدنيا تدور برأس فرانشيسكو الشيخ. . . ولماذا؟. .
أنى لنا أن نصف لرجال هذا العصر الشعور الذي غمر نفس ذاك الفنان العظيم حين شاهد لوحة أعجبته وملكت لبه؟! هو شعور أخ فارق أخاً له منذ الصغر، وارتقب عودته على نار الغضى. . . وفي الوقت الذي فتح ذراعيه لعناقه كان أمام. . . أمام ملاك سماوي باهر الضياء
خفق قلب الشيخ المسكين وعنا وجهه وخشع أمام جلال الفن الرهيب، وانحنت رجلاه ساجدتين كأنه أمام كائن سماوي مهيب. . .
سمر في مكانه وتسارع الطلاب إلى أستاذهم يسرون عنه بعض ما حل به، ولا يفهمون لكل ما حدث سبباً. . . أمطروه بالأسئلة والشيخ في عالم غير عالمهم. . .
صحا الشيخ قليلاً. . . ولكنه ما زال شاخصاً نحو اللوحة السمائية (لوحة رفائيللو) ينظر وينظر. . . وكيف لنا أن نعرف ماذا كان يفكر في هذه الساعة الرهيبة؟
لقد تحطم المسكين أمام شعاع العظمة. . . وهاهو يسائل نفسه بغصة وألم عن السبيل إلى التفكير عن الجريرة التي اقترفها. إنه لكنود كفور. تطاول على رفائيللو العظيم وغمطه