ومن حوادث الشيخ حمزة معي أني كنت أؤدي الامتحان الشفوي في الشهادة الثانوية وكان هو رئيسا للجان اللغة العربية فلما جاء دوري اتفق أنه كان موجوداً، فلما انتهت المطالعة وجاء دور المحفوظات وكان لها مقرر مخصوص سألني ماذا أحفظ. وكنت في صباح ذلك اليوم قد قرأت خطبة قصيرة للنبي صلى الله عليه وسلم فعلقت بذهني وألهمني الله أن أقول إني أحفظ خطبة للنبي، ففرح الشيخ جداً وخلع حذاءه وصاح (قل يا شاطر قل يا شاطر. قل يا شاطر فتح الله عليك) وسترني الله فلم أخطئ، فاكتفى الشيخ بهذا وأعفاني من النحو والصرف والإعراب
ولكنه في مرة أخرى كاد يضيع علي سنة. وكنت طالبا في مدرسة المعلمين وكانت لجنة الامتحان في اللغة العربية برياسته فقال أحد أخواني بعد خروجه من الامتحان: أن الشيخ حمزة يفتح كتاب النحو والصرف ويطلب من الطالب أن يتلو الفصل الذي يقع عليه الاختيار. ولم نكن ندرس لا نحوا ولا صرفا في المدرسة لأن الدراسة كانت مقصورة على الأدب، فأيقنا بالفشل. وجاء دوري فدخلت وأنا واثق من الرسوب وجلست أمامه فناولني كتاب مقدمة ابن خلدون فقرأت. ولا أزال أذكر فاتحة الكلام وهي (أعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها) الخ. فقال: ضع الكتاب. موضعته، فسألني عن العدوان والفعلين عدا واعتدي وانتقلنا إلى الصيغ المختلفة التي يكون عليها (الفعل)(اعتدى) مثل (اعتديا) للماضي المثنى و (اعتديا) للأمر، فسألني لماذا كان الماضي بالفتح والأمر بالكسر فلم أعرف لهذا سببا وقلت إنه لا سبب هناك سوى أن العرب نطقوا بهما هكذا. فدهش لهذا الجواب وقال: ولكن لهذا سبباً، قلت: إن اللغة سبقت النحو والصرف، وكل هذه القواعد موضوعة بعدها، وما دمت أنطق كما كان العرب يفعلون فان هذا يكفي ولا داعي للبحث عن سبب مختلق. فغضب وظهر هذا على وجهه فلم أبال بغضبه، وحدثت نفسي أنه خير لي وأكرم أن أسقط بخناقة من أن تكون علة سقوطي الجهل. وأصررت على رأيي وكاد يحدث ما لا يحمد، لولا أن المرحوم الشيخ شاويش - وكان عضوا في اللجنة - تدارك الأمر، فقد نظر في ساعته ثم التفت إلى الشيخ حمزة وقال:(العصر وجب يا مولانا) فنهض الشيخ وهو يقول (أي نعم) وذهب للصلاة ونسيني فكان