أأوابد مفرقة متهاترة. . . أم جنود في كتيبة واحدة لغاية واحدة؟ إنكم بالأوضاع الأولى محترفون للتعيش والكسب. . . وبالأوضاع الأخرى أصحاب رسالة. . . إنكم بالأولى ترضون أن تبيعوا أقلامكم وتعيشوا من غير عقيدة وهدف وتؤجروا كما تؤجر النوادب أو القيان للوقوف في المآتم والأعراس بدون قلوب ولا دموع ولا ابتسام ولا ابتهاج. . .
وإنكم بالأخرى تفرضون صحتكم على أمراض العقول وتصحيحكم على أغلاط الناس وتسيرون في الناس كالراعي في القطيع وكالآباء في الأسرة. . .
يا لضيعة الإنسانية إذا ما سخرت جهالتها علومَها وآثامها فضائلها وأمراضها سلامتَها! يا لضيعة الرءوس إذا ما تحكمت فيها الأقدام والأيدي والمعدات!
غفرانك يا قلم! وصفحاً عن جريرة الذين يحملونك ولا يدرون مجدك وملكوتك!
هم لا يدرون أين يغمسونك. . . فهم يغمسونك في الأوحال والأدناس ويقدمون على طرفك للناس بعراً. . . وهم يتوهمونه زهراً. . . من تدليس معاطسهم وكيد أنوفهم وانتكاس طبائعهم
إن بعض الكتاب لا يغمسونك إلا في دماء قلوبهم ولا يصدرون بك إلا عن وحي الحق والواجب والمجد والجمال الأصيل فهم لا يكتبوا ليملؤا صحائف بمداد أسود وكفى. . . فعل الذين يعلنون به عن أنفسهم التي تحس الحقارة وتغطيها بالشهرة وتريد أن تقول حتى للحمير والكلاب والأحجار: هأنذا. هأنذا أديب كبير أيتها الأحجار والحمير! ولكنهم يكتبون فاهمين حرمة القلم الذي أقسم به الإله. . . وفاهمين أنه هو الذي غير تاريخ البشرية وجعلها تسير نحو مجدها وتسجل خطواتها، فليس لأحد أن يستعمله إلا في مطالب الشرف
ولو درى بعض الأدباء أي جناية يجنونها على الخلق والشرف والجمال في نفوس الشباب لحطموا أقلامهم واستبدلوا بها الفئوس أو المكانس. . . فان استعمال الفأس أو المكنسة معنى سامياً في خدمة الإنسانية من وجوه. . .
إن بعض الأدباء أفلسوا في أن يقدموا للإنسانية معنى يرفعها أو شعاعاً يهديها. . . فماذا يفعلون ليشتهروا؟ لا شيء إلا أن يقدموا لها معنى يخفضها. . . على مذهب القائل:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما ... يرجى الفتى إذ ما يضر وينفع
وشهد الله أننا ما نكتب لشهوة الكلام، ولا لرؤية الصحف المسودة. . . ولا ليقال عنا إننا