أسائل من لاقيته كيف حاله ... فهل يسألن عني ويعرف حاليا
البصرة اليوم مدينة عامرة كبيرة، واسعة التجارة قد شمل التنظيم الحديث قسماً كبيراً منها، وقسمها الحديث يسمى العشار يقع على شط العرب، وتشرف على هذا النهر العظيم قصور أغنياء البصرة تتباين فيها الغنى والبذخ والترف، لها مجالس على النهر وسلاليم ترسو عليها الزوارق
وعلى بضعة أميال من المدينة تقع ميناء البصرة الحديثة تدخل إليها البواخر الكبيرة، ولها مستقبل تجاري وحربي عظيم؛ والجهة التي بها الميناء تسمى المعقل ويسميها الأوروبيون مركيل وأحسبها مسماة باسم معقل بن يسار المزني. وكان هناك نهر يسمى نهر معقل. وجاء في الأمثال: إذا جاء نهر الله فقد بطل نهر معقل
والبصرة مدينة البندقية العربية فهي واقعة على شط العرب العظيم تخرج منه أنهار كثيرة تخترق المدينة، فتجد الأنهار في شوارعها الفسيحة تطل عليها الدور والبساتين
وأذكر أني سرت من المدينة إلى أبي الخصيب في طريق معبدة تظلها النخيل والأشجار نحو عشرين ميلاً فاجتزت أربع عشرة قنطرة على الأنهر الآخذة من شط العرب
والبصرة أكثر بقاع العالم نخلاً، بها نحو عشرة ملايين نخلة. ويكاد النخيل يتصل ما بين القرنة حيث يجتمع دجلة والفرات إلى مدخل خليج البصرة وذلك نحو ١٥٠ كيلا. وقد روى الأصمعي عن الرشيد أنه قال: نظرنا فإذا ما على وجه الأرض من ذهب وفضة لا يبلغ ثمن نخل البصرة. . . الخ
وهذا الخصب العظيم والعمران الكثيف على مقربة من البادية. فمن شاء تحضر ونعم بألوان الحضارة، ومن شاء تبدّى واستمتع بحرية البداوة وبالصيد وغيره
وقد قال ابن أبي عيينة المهلبي يصف البصرة:
يا جنة فاقت الجنان فما ... يعدلها قيمة ولا ثمن
ألفتها فاتخذتها وطنا ... إن فؤادي لمثلها وطن
زوَج حيثانها الضباب بها ... فهذه كنة وذا ختن
فانظر وفكر لما نطقت به ... إن الأديب المفكر الفطن
من سفن كالنعام مقبلة ... ومن نعام كأنها سفن