خالف بين الشطرين فجعل الأول من السريع والثاني من المنسرح)
ثم قال اليازجي بعد نقده تلك الأبيات في ديوان الرافعي:(على أن هذا لا ينزل في قدر الديوان وإن كان يستحب أن يخلو من مثله، لأن المرآة النقية لا تستر أدنى غبار، ومن كملت محاسنه ظهر في جنبها أقل العيوب، وما أنقدنا هذه المواضع إلا ظناً بمثل هذا النظم أن تتعلق به هذه الشوائب ورجاء أن يتنبه لمثلها في المنتظر، فان الناظم كما بلغنا لم يتجاوز الثالثة والعشرين من سنيه، ولا ريب أن من أدرك هذه المنزلة من البراعة في مثل هذا السن سيكون من الأفراد المجلين في هذا العصر، وممن سيحلون جيد البلاغة بقلائد النظم والنثر)
قلت: صدقت كهانة الشيخ فقد أمسى الرافعي من الأفراد المجلين في هذا العصر، وهو إن صلى في النظم فقد جلى في النثر
ونشر الأستاذ الرافعي (رحمه الله) ثلاث قصائد من شعره في مجلة (الضياء) الثالثة في السنة السابعة من تلك المجلة (الجزء السابع ١٥ يناير ١٩٠٥) وعنوانها (حسان الأرض والسماء) وفي القصيدة هذا البيت:
هيهات قد أصبح معنى الهوى ... بين الغواني نحو (سوِّرْ يدي)
قلت: فهن يبغين قلْباً ولا قَلْباً، قلوباً لا قلوباً:(يُردن ثراء المال حيث عَلِمْنَه)
وقد رأيت وقد رويت قول (أديب النصرانية) في (أديب الإسلامية) وإن لم يكن الرافعيُّ يومئذ الرافعيَّ - أَن أورد قولا لحجة الإسلام الإمام الشيخ محمد رشيد رضا في الأستاذ الرافعي وفي كتبه عامة وكتاب المساكين خاصة:
(الأستاذ مصطفى صادق الرافعي صاحب هذا الكتاب أشهر من نار على علم، يراها كل أحد ولا يصل إليها أحد، فهو معروف والمعروف لا يعرّف. أوتي عقله نصيباً كبيراً من فلسفة النفس والاجتماع فهو يغوص في أعماقها، وأوتي خياله حظاً عظيماً من المعاني الشعرية فهو يطير في أجوائها، وأودع ذهنه مادة واسعة من اللغة العربية مفرداتها وأساليبها؛ فهو يبرز النظريات الفلسفية في صور من التخيلات الشعرية، تتجلى في طرز طريفة (مودات) من الحلي والحلل اللغوية، جمع فيها بين الإجادة في المنظوم والمنثور