كان أفهم منا للدين لا يعيب كلامنا هذا بأنه من كلام خطباء المساجد ويقبل على تفهم وجه الحجة فيما نلقي عليه فإنما الحق والإصلاح نريد
إن المسلم الذي يفقه دينه ويفقه الحياة أينما نظر لا يجد مفراً من أن يصل هذه الحياة أدبها وفنها وعلمها بالدين كما أنزله الله على رسوله محمد بن عبد الله، أي كما يتبين من القرآن ومن عمل الرسول. إن الإسلام دين يشمل الحياة بحذافيرها ويحيط بها من جميع أطرافها. ومن أخص خصائصه أن يكون الإنسان في خلجات نفسه مع الله، وأن يخلص نوايا قلبه لله، وهذا هو معنى إسلام الوجه لله، ومنه اكتسب الدين اسمه الكريم: الإسلام. والمظهر العملي للإسلام هو طبعاً إتباع ما شرع الله للإنسان في الحياة من نظم وأحكام، لكنه لن يستطيع أن يحقق هذا حتى يكون سره ونجواه ونيته لله. وعن هذا الطريق طريق إسلام الوجه والنفس والقلب لله يكون تمام اتصال الإنسان بربه خالق الكون وفاطر الفطرة الذي إليه المرجع ومنه الهدى وبه الحياة. . .
فإذا كان ذلك كذلك، وإنه لكذلك، فكيف يجوز في غريزة أو عقل أو علم أن يجمع الإنسان بين الحياة الإسلامية والحياة الفنية أو الأدبية أو العلمية إن لم يكن بين الفن والأدب والعلم وبين الإسلام تمام التطابق والاتفاق؟ والاتفاق التام بين العلم والإسلام ثابت لا شك فيه، فليس في الثابت من العلم شيء ينقض شيئاً من الإسلام، وليس في الإسلام أصل ينقض حقيقة ثابتة في العلم. وكل ما يثبته العلم في المستقبل يقبله الإسلام مقدماً بنص القرآن، ويؤول إليه النص إن خالفه في الظاهر. وهذا دليل جديد لا ينقض على أن الإسلام هو حقَّا من عند الله فاطر الفطرة، وأنه حقا دين الفطرة كما وصفه الله في القرآن. أفلا ينبغي أن يثبِّت هذا في الدين هؤلاء المتزلزلين من أهل (التجديد) الذين يريدون أن يَلُفُّوا الدين ويضعوه على الرف ويقطعوا باسم التقديس ما بينه وبين الحياة في مظاهرها خارج المساجد في الأدب والفنون والاجتماع؟
إن الفطرة كلها منشئها واحد هو الله سبحانه وتعالى، والعلم والدين كلاهما قد اجتمعا على استحالة التناقض في الفطرة. فإذا كانت هذه الفنون من روح الفطرة كما يزعم أهلها وجب ألا تخالف أو تناقض دين الفطرة دين الإسلام في شيء. فإذا خالفته في أصوله ودعت صراحة أو ضمناً إلى رذيلة من أمهات الرذائل التي جاء الدين لمحاربتها، وعاقت الإنسان