للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأدباء أن يقدموا ما يستطيعون أن يعثروا به من أقوال أدباء المذهب الجديد لتطبع في الناحية اليسرى من المجلة. لاشك أن أدباء المذهب القديم يتهربون من مثل هذه المقابلة كل التهرب. وما يقال في كتب المذهب القديم الأدبية يقال أيضاً في كتب التاريخ. أنظر بالله إلى الأبيات التي زعموا أن مسيلمة الكذاب بعث بها إلى سجاح المتنبئة والتي فيها (وإن شئتِ. . . وإن شئتِ) كيف يستطيع أديب من أدباء المذهب القديم أن يطلع أخته أو بنته أو قريبة له من الفتيات على هذا الشعر؟

ثم أنظر إلى ذكر الفحش وقصصه ونظم الهجاء فيه شعراً تجد أن أدباء ما يسمى بالمذهب القديم في كل عصر حتى عصرنا هذا كانوا أكثر حظاً منه. ولا أعني جميعهم، ولكنهم حتى الأفاضل منهم قد وجدوا هذا الأسلوب من القول عادة صقلها الدهر وهون أمرها فأصبحوا لا يجدون خطراً على الأخلاق في نظم الهجاء فحشا ولا في التحدث عنه، ولكن الخطر كل الخطر هو تأثر الأدب العربي بنواحي القول كما وردت في كتب الأدب الأوربي.

وبعد فأي أدب أوربي يعنون؟ لقد تقلبت على الدول الأوربية عصور اتخذ الأدب في كل منها نزعة خاصة، ولكنهم إذا تكلموا عن الأدب الأوربي خيل للقارئ أنهم يعدون جميع الأدب الأوربي في عصوره المختلفة على طراز واحد وأنه مأوى المجون والإباحية والزندقة. أن عصور الأدب الأوربي تختلف اختلافا يجعل بعضها أقرب إلى بعض الأدب العربي منها إلى عصور أخرى من عصور الأدب الأوربي، فالأدب الإغريقي في سهولة معانيه وخيالاته أقرب إلى الأدب الجاهلي العربي منه إلى الأدب الرمزي الأوربي الحديث. والأدب الأوربي الحديث في حرية الفكر أقرب إلى الأدب العباسي العربي منه إلى الأدب الأوربي في القرون الوسطى. فإذا كان بعض الأدب الأوربي الحديث قد دعا بعض أدباء المذهب الجديد إلى إبهام الإيجاز والصور المتداخلة بعضها في بعض وإلى غموض الرمزية فقد ألف بعض أدباء المذهب القديم على هذه الطريقة في إبهام الإيجاز من غير أن يطلعوا على الأدب الأوربي. أنظر مثلا إلى إيجاز الرافعي في كتاب (حديث القمر) والكتب الأخرى التي كتبها، وكأنه لم يكتبها إلا لكي يثبت أنه يستطيع أن يزيد على معاني وصور أدباء أوربا والمذهب الجديد وأنه أغنى منهم بمعانيه كما أنه أغنى منهم بأساليبه اللفظية الفصيحة العربية؛ ولكن فصاحة لغته العربية لم تخف الحقيقة الفنية، وهي أن الرافعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>