للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من هذا الحديث وهذه الحادثة كانت مقالة (الشيطان)

وكان لولده الأستاذ سامي زوج لم يدخل بها، وقد مرضت بذات الصدر بعدما سماها وعقد عليها؛ فأقامت زمناً في مصحة حلوان؛ ثم ارتدت إلى طنطا لتقيم بين أسرتها ما بقي، وزوجها حفيٌّ بها قائم على شئونها، ثم جاء موعدها فدعا الرافعي ليراها فجلس إلى جانبها لحظات وهي تحتضر، فكان له من هذا المجلس القصير، مقالة (عروس تزف إلى قبرها!)

كنت ليلتئذ على موعد معه في القهوة، فظللت أنتظره ساعات ولم يخلف الرافعي موعده معي مرة من قبل، فلما طال بي الانتظار مضيت لشأني. وفي الصباح جاءني نعي الفتاة فعرفت عذره؛ فلما كان العصر ذهبت في نفر من الأصحاب لتعزيته في دار صهره، والتمسناه فما وجدناه، وسألنا عنه فعرفنا أنه آب إلى داره بعد الجنازة لبعض شأنه؛ ولقيته بعدها فعرفت أنه ترك المأتم والمعزين ليفرغ لكتابة مقالة قبل أن تذهب معانيه من نفسه!

يرحمه الله! لم يكن يمر به حادث يألم له، أو يقع له حظ يسرُّ به إلا كان له من هذا وذلك مادة للفكر والبيان، وكأنما كل ما في الحياة من مسرات وآلام مسخرة لفنه؛ فهي عند الناس مسرات وآلام، وهي له أقدار مقدورة ليبدع بها ما يبدع في تصوير الحياة على طبيعتها وفي شتى ألوانها، ليزيد بها في البيان العربي ثروة تبقى على العصور، وهو إخلاص للفن لم أعرفه في أحد غير الرافعي!

وإذ ذكرت السبب الذي دعا الرافعي إلى إنشاء مقالة (عروس تزف إلى قبرها!) أراني مسوقاً إلى ذكر حيث بيني وبين الرافعي يتصل بهذا الموضوع، وإنه ليدل على خلق الرافعي وطبعه، وهو بسبب مما سميته فيه من قبل (فلسفة الرضا)

لم يكن لأحد رأي في خطبة هذه العروس إلى سامي، ولكنه هو خطبها لنفسه، وكان يحبها ويرجوها لنفسه من زمان، ولم يكن بينهما حجاب، فإنها بنت خاله؛ فلما أجمع أمره على خطبتها بعدما تخرج وصار له مرتب يكفيه، ذهب يعرض أمره على والده، فعارضه فيما ذهب إليه لسبب سببه، ولكنه مع اعتداده برأيه في هذه المعارضة تركه لهواه ولم يفرض عليه رأيه؛ إذ كان يرى من حق ولده أن يختار زوجته لنفسه، فليس له عليه في هذا الشأن إلا أن يبذل له النصح، ثم يدع له الخيرة في أمره

وخطب سامي فتاته، وعقد عَقده. وكان حموه يعمل في مال فأكلته الأزمة، وقُدر عليه رزقه

<<  <  ج:
ص:  >  >>