بعد سعة؛ ثم مرضت الفتاة مرضها، فأكرمها زوجها وأقام على شئونها، وأنفق ما أنفق في طبها وعلاجها سنتين أو يزيد، بين طنطا وحلوان!
وتداعت فنون الحديث يوماً بيني وبين الرافعي حتى جاء ذكر سامي وزوجته، وكانت ما تزال في مصحة حلوان؛ فقال لي الرافعي:(أنظر! إنها حكمة الله فيما يجري به القدر! ظلّت البشرية إن هي حاولت النفاذ إلى الغيب لتتحكم في أقدار الناس. . . ليس للإنسان خيرة من أمره، ولكنه قدر مقدور منذ الأزل يربط أسباباً بأسباب، ويجري بالحياة وحدة متماسكة، فما يجري هنا هو بسبب ما يجري هناك، فلا انفصال لشيء منها عن شيء. . . تُرى مَنذا كان ينفق على هذه المسكينة ليطب لها من دائها لو لم تكن الأقدار قد أحكمتْ نظامَها وكان سامي هو زوجها؟ هل كان إصراره على الزواج منها بعدما قدمت له من الرأي والنصيحة إلا لأنه في تدبير القدر المرجوٌّ لهذا الواجب من بعد. لقد كنت مستيقناً من أول يوم أن من وراء هذا الزواج حكمة خافية، وإنني اليوم وقد انكشف لي هذا السر العجيب في حكمته البالغة لأشعر بكثير من الرضى إلى ما كان!)
ثم كتب بين مقالة (بين خروفين)
وهي تمتّ بسبب إلى مقالة (حديث قطين)؛ وفيها حديث عن ولده عبد الرحمن، وهو أصغر بنيه؛ وكان الرافعي يرجوه ليكون من أهل الأدب؛ فما يزال يستحثه ويحمله على الدأب والمثابرة ليكون كما يرجو أبوه، ويحمله بذلك الرجاء على ما لا يحتمله. وكان (الإيحاء) وسيلة الرافعي إلى تشجيعه وتحميسه إلى العمل؛ ويبدو مَثل من هذا الإيحاء فيما تحدث به الرافعي عنه في أول هذا المقال
وكان الرافعي معنياً بمستقبل أولاده عناية كبيرة، فكان يحملهم على العمل بوسائل شتى. وكثيراً ما كان يرسم لهم الخطة للتحصيل والمذاكرة، وقد وجدت بين أوراقه حديثاً له إلى ولده إبراهيم ينصحه ويرسم له منهجاً ليهيئ نفسه للامتحان، لو أنه اتبعه لكان اليوم غير ما هو!
ومن أجل أولاده أنشأ كثيراً من المقالات عن عيوب الامتحانات لمناسبات مختلفة كان ينشرها في المقطم؛ وكانت له طلبات ومقترحات إلى وزارة المعارف أجابت أكثرها ولم ينتفع بها أحد من ولده ومن أجلهم أنشأها!