وقد استطردنا في بيان فلسفة العقاد العامة، فسقنا فيها بعض خصائصه في غزله وهي (التوحيد بين متعة الحس ومتعة النفس أو بين الأرض والسماء). ثم دعانا هذا الاستطراد إلى تأجيل الأمثلة التي نأخذ منها دلائل اليقظة والوحي الفني. والآن فلنأخذ في إيراد الأمثال:
يقول في قصيدة بعنوان (تبسم):
تبسم فإن القلب يسعد بالذي ... سعدت به واضحك وغرد وخاطر
يلذ لنا منك اغترارُك بالصبا ... غرورُ الصبا روْح لقلب المحاذر
ويعجبنا أنا نرى فيك معجَبا ... مدلا على الأيام إدلال ظافر
بشوشاً تكاد العين تلمح قلبه ... وتسرد في نجواه نظم السرائر
إذا غامت الجلَّى تبلجت بينها ... تبلج ومض البرق بين المواطر
وتضحك والأتراح حولك جمة ... تخافك خوف الجن رجم الزواهر
وتبكي وأفراح الحياة كثيرة ... يحاذرننا من حولنا كالطوائر
فيا قرب ما بيني وبينك في الهوى ... ويا بعد شقّيْ دارنا في الخواطر
طوى الحب ما بيني وبينك من مدى ... فنحن قرِينَا موطن متجاور
أيا من رأى ليلاً وصبحاً تلاقيا ... وإلفين من صفو وشجو مخامر
لئن تخش مني الليل صعباً مراسه ... لقد بت أخشى منك شمس الهجائر
فيا لي من ليل بحبك موثق ... وثاق الضواري في كناس الجآذر
تطالع منه الهولَ سهلا مقاده ... رخاءٌ غواشيه، شجيَّ الزماجر
ويا ربَّ مرهوب السطا وهو مطلق ... إذا كُفَّ أضحى متعة للنواظر
أنا الليل فاطرقني على غير خشية ... ولجْ باب أحلامي وجلْ في حظائري
وسرْ حيث يخشى غيهب الليل نفسه ... وتعثر بالظلماء ظلماء كافر
لتعلم ما الدنيا إذا غال غولها ... وأنت أمين من طروق الدوائر
وتعلم أن الشمس تكذب قومَها ... إذا حدثتهم عن خفي وظاهر
فكم بين لألاء الضحى من مناظر ... طوتها يد الأحداث عن كل ناظر
فها هنا رجل يحب ويعبر في غزله عن هذا الحب، ولكن اليقظة التي ابتعثها الحب في