للمرء دنياوان: مطروقة ... فوضى وأخرى هو فيها فريد
وهذه، لا تلك، ما يشتهي ... وهي له الموئل وهي الوجود
وتتبين وجهه معها في قوله:
قبلات كل يوم وعناق ... ووداع كل يوم ولقاء
واشتياق كلما حان الفراق ... وعهود كلما جن المساء
وعتاب كل يوم وخصام ... جائر الحكم كثير العلل
نرتمي فيه بأهوال جسام ... بين سخريِّ المنى والقبل
وعلى توقيع أنغام الرجاء ... نبعث القلبين حباً وخصاما
عبث الطفلين في مهد الصفاء ... كلما راعتهما الضجة ناما
وحياة بين روض وغدير ... وحياة بين ألفاف كتاب
هذه أو تلك يحويها العبير ... ويروى سرحها ماء الشباب
لا ظلام الليل يثنيك ولا ... لفحة القيظ ولا اليوم المطير
في دلال منك موفور الحلي ... وكلال منك كالظبي البهير
وهي كما ترى أنثى ناضجة بوهيمية، وهو رجل فنان متفتح قد بلغ من المتعة إلى النزف فانتشى؛ فانطلق يتفلسف فقال:
وابل من قبل تمطرها ... من سماء الحب أخلاف غزار
جزلة المسِّ شهي لمسها ... حلوة المزجين من ماء ونار
سقيها محض ولاء خالص ... لم يكدره من الدنيا اعتكار
وكذا الإخلاص حر مطلق ... كصفات الله ما فيها اضطرار
روَّ من الدهر واضحك ساخرا ... إن طغى الدهر بأيديه القصار
هاهنا لا العيش محسوس الحظا ... لا ولا الوقت بمحدود المطار
الخ. . .
فإذا اجتاز الناقد الأجزاء الأربعة الأولى من الديوان إلى (وحي الأربعين) و (هدية الكروان) و (عابر سبيل) لم تبعد به النقلة كثيراً عن جو الجزء الرابع، ولكنه يجد انطلاقاً إلى مدى أوسع في التوحيد بين الأرض والسماء، أو بين المادة والروح في غزل العقاد،