مضى الأستاذ محمد سعيد العريان مترجم فقيد الأدب العربي المرحوم مصطفى صادق الرافعي في سبيله يكتب ذلك التاريخ الزاهر، وينشره بشكل مقالات في (مجلة الرسالة) حتى بلغ الآن المقالة (٣٢) وفيها دعا من كان عنده شيء من أخبار الرافعي غير ما ذكره هو، أن يتفضل بالكتابة إليه رأساً أو على صفحات (الرسالة) يحيطه علماً بذلك، وفاء بحق الأدب وأهله، ورجاء إتمام ذلك التاريخ الذي كاد يغمره النسيان ويجني عليه الإهمال
ونحن إجابة لدعوة الأستاذ ننبهه إلى خصومة أخرى كانت قد نشبت بين الفقيد الكريم والأستاذ مصطفى القشاشي صاحب مجلة (الصباح)، ولعلها آخر الخصومات الأدبية للرافعي؛ وقد كانت هي التي أوحت إليه بمقال (صعاليك الصحافة) المنشور (بالرسالة)(أعداد: ١٨٩ و ١٩٠ و ١٩١ و ١٩٢) وقد عرض فيه بالصباح تعرضاً مكشوفاً، إذ أتى في العدد ١٩١ على جملة من عناوين مقالاتها التي كانت صدرت فيها أثناء تلك المدة، كنماذج للموضوعات التي تطرقها تلك المجلة
وكان السبب في هذا الحملة من الرافعي على صاحب (الصباح) أنه حمل إليه كتابه (وحي القلم) ورجا منه أن يكتب تقريظاً له، وهذا ما يؤخذ من كلام الأستاذ القشاشي؛ وبما أن القشاشي تأخر مدة عن كتابه التقريط، وعذره أن الكتاب ضخم يتألف من جزأين في تسعمائة صفحة ويتناول مائة موضوع وموضوع، فإن الرافعي ظن السوء بصاحبه وقام يجلد صعاليك الصحافة، ويا لله من غضب الرافعي فإنه يزري بغضب عنترة!
وشاءت سخرية القدر أن يبرز مقال (الصباح) في تقريظ (وحي القلم) بعد أن ينشر الرافعي ثلاثة أقسام مقاله (صعاليك الصحافة) والقسم الثالث منه الذي به انكشف مراده فظهر أنه يعني صاحب الصباح، صدر في عدد (١٩١) أول مارس ١٩٣٧ على حين أن تقريظ الصباح كان في عددها ٥٤٥ (الصادر) في خامس مارس المذكور، وقد كان تقريظاً بليغاً يرضى الرافعي ويدخل على نفسه السرور، وحسبك منه هذه الجملة التي يقول فيها الأستاذ القشاشي:(أن كتاب وحي القلم ليحتاج إلى كتاب آخر في الإشادة بذكره، فلعل ضيق المجال يعتذر لنا عند الأدب العربي ثم عند الأستاذ الرافعي)
ولكن الأستاذ الرافعي قد عجل - وفي العجلة الندامة - فسرعان ما انقلب مدح (الصباح) له قدحاً فيه، وثناؤها عليه طعناً. وكنا نحن قد انتظرنا ذلك لما قرأنا القسم الثالث من مقال