وجاءت الخادم تكلمنا بلغتها وهي لا تعرف لغة مما نعرف فتفاهمنا بالألفاظ المتقاربة بين الإنكليزية والفرنسية وبين السويسرية، ولمحنا في جانب الحجرة رجلا أشيب فأشرنا أليه ليكلمنا فأشارت الخادم انه أصم فقلت:(كالمستجير من الخرساء بالصمم)
أخذنا بعض متاعنا من لوسرن إلى برجنشتوك. وبلغنا الفندق حين الغذاء (والساعة اثنتا عشرة وربع) دخلنا قاعة الطعام فإذا امرأتان ليس في القاعة غيرهما، وقد اعد لنا الطعام معهما. وليس بيننا لغة إلا الإشارات وكلمات حائرة بين ما نعرف وما تعرفان من اللغات. وقدم اللحم فرابني بياضه. فأشرت: أي لحم هذا؟ قالت إحداهما كلاما وحكت صوت الخنزير - وهذا الخنزير يخيفني حيثما حللت من أوربا - أشرت إننا لا نأكل الخنزير. قالت المرأة الأخرى لصاحبتها: إسرائيليان. قلت: لا، لا، لا، ولكن المصريين لا يطعمون لحم الخنزير. فكانت حركة في الفندق وارتباك. ثم قدم لنا لحم البقر سريعا. وفي العشاء قدم إلينا الكاكاو وكثير من اللبن وعجة البيض وفاكهة مطبوخة ورأينا القوم يأكلون العجة مع الفاكهة فعجبنا من اختلاف العادات والأذواق.
استرحنا ثم نزلنا لنخرج فدعينا إلى شرب القهوة وقدم لكل واحد مع القهوة ملء كوب من اللبن الجيد، اللبن عندهم موفور لكثرة البقر وقرب مراتعها، وأصحاب الفندق أسرة من الفلاحين
وكنا حين قدمنا هذا الصقع لأول مرة، سمعنا جلجلة أجراس مختلفة لا تنقطع فحزرت، وصدق الحزر، أنها أجراس في أعناق البقر أو الغنم. (وكننت رأيت في أصفهان من بلاد الفرس أجراسا في أعناق الإبل والثيران، ورأيت البدو يعلقون جرسا في رقبة الكبش تهتدي به الغنم وتجتمع على صوته؛ ورأيت هذا في مضارب قبيلة شمر في العراق وعلمت انهم يسمون هذا الكبش المرباع) فلما استقر بنا المقام في الفندق أردنا أن نجوس خلال الحقول لنرى البقر في مراتعها. وكانت أجراسها تجلجل في الأرجاء بين هذا الجمال الأخضر والجلال الرائع، بل في هذا المعبد العظيم من الخليقة فكأنها أجراس المعابد!
سرنا بين المروج فرأيناها مقسمة بحواجز. كأن لكل بيت مساحة من المرعى، ورأينا على الطريق أبوابا تمنع البقر إن تجاوز مراعيها. ثم رأينا بقر يرعى وقد جعلت أجراسها على قدر أسنانها: للعجل جرس صغير، وللثنى جرس اكبر منه، وللبقرة الفارض جرس كبير