كأنه القدح. ورأينا حظائر للبقر تأوي أليها في الشتاء، وهي بيت من الحجر فيه قنوات لسيل الماء، وعنده حوض لشرب الدواب، وفوقه بيت من الخشب يوضع فيه الحشيش وأدوات الفلاحة. وتجعل الحظائر بجانب مكان عال ليتسنى دخول عربة الفلاح إلى الطبقة العليا. وبيوت الفلاحين جميلة المرأى يتجلى فيها النظافة والترتيب والنعمة. وكم تمنيت أن يكون لفلاحنا بعض ما لهؤلاء
ورأينا على الطريق نصبا عليه صليب، فاقتربنا منه فإذا حجر واحد نحتت في أعلاه طاقة عليها شباك من الحديد. فاطلعنا فيها فإذا صورة قديس وقديسة، ورأينا امرأة مرت بهذا النصب فوقفت قليلا تتعبد، وكان كل من يمر بهذا الطريق يقف هناك وقفة للعبادة. وكذلك رأينا بجانب الفندق بنية صغيرة يعلوها صليب، فاطلعنا فيها فإذا معبد يتسع لبضعة نفر، واحسبناه معبد الأسرة التي تقوم على الفندق. وهكذا يحرص القوم على دينهم ويتوسلون إلى العبادة بكل الوسائل
وأما الفندق فهو مثل من نشاط القوم ونظافتهم ونظامهم. هناك أُم كثيرة الأولاد قد أحسنت تربيتهم، ومنحت من قلبها ويدها ما جعلهم قرة عين الرائي صحة وجملا ونظافة. وهي قائمة على الفندق تعينها خادم واحدة لا ترى إلا ساعية أو عاملة أو متكلمة أو ضاحكة. وقد تبؤات الأسرة بعض الفندق وجعلت للنزال بعضه، ولم تنس حقها ولا حق النزال من رفاهية ومتاع. وأنا اكتب الآن وقد جاء صبي من هذه الأسرة يطرب الحاضرين بموسيقاه. وهكذا يبدو النشاط والمرح والسرور ليل نهار
وحول الفندق أشجار الفاكهة، ومزرعة صغيرة عليها سياج ومن هذه الأشجار وهذه المزرعة فاكهة الفندق وبقوله يجنيها الأولاد كما تأمرهم الأم
أحدثك مرة أخرى عن روعة هذا الصقع فقد بدا لي إن أعود إلى هذا الحديث:
خرجنا عصر اليوم فسرنا إلى المصعد الذي وصفته آنفاً في طريق ضيقة نحتت على سفح الجبل ينيف فوقها جبل شامخ وتبدو تحتها هوة هائلة. فلما جاوزنا المصعد تمادت بنا الطريق صاعدة في السفح تخترق الجبل بين الحين والحين إذا لا تجد على السفح منفذاً. فلما اعجز القوم النحت في مواضع من هذا الطود العاتي الأشم مدد الطريق على دعم من الحديد مثبتة في الجبل، فترين السائر معلقاً بين السماء والأرض على هذه الشقة الضيقة